هل تتخلى أمريكا عن حليفها القديم؟ كوريا الجنوبية تواجه كوابيس ما بعد ترامب
ترامب وكوريا الجنوبية

وسط التحولات الجيوسياسية المتسارعة، تشعر كوريا الجنوبية بأنها تقف عند مفترق طرق استراتيجي، حيث لم يعد القلق يقتصر على التهديدات التقليدية من كوريا الشمالية، بل بات يشمل الحليف الأمريكي نفسه. تقرير جديد لصحيفة فايننشال تايمز يكشف عن تصاعد مخاوف النخب السياسية والأمنية في سيول من عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، واحتمال تبنيه سياسة “أمريكا أولاً” بشكل أكثر عدوانية قد يضرب في عمق التحالف العسكري التاريخي بين البلدين.
فعلى الرغم من سنوات التعاون والشراكة الأمنية التي وفّرت مظلة نووية واقية للجنوب، إلا أن تصريحات ترامب السابقة والمواقف الجمهورية المتشددة باتت تمثل مصدر قلق حقيقي للمؤسسة الكورية. ومع تقلص هامش الثقة بالحماية الأمريكية، بدأت دوائر صنع القرار في سيول تفكر بصوت عالٍ في خيارات أمنية أكثر استقلالية، وربما جذرية.
مناورات بحرية ورسائل معلنة… وخفايا مقلقة
أجرت سيول وواشنطن مؤخرًا مناورات بحرية مشتركة تضمنت تدريبات على التصدي لطائرات دون طيار وقوات خاصة من كوريا الشمالية. ورغم التصريحات النارية من قادة البحرية الكورية عن الرد الحاسم، فإن محللين يؤكدون أن التوتر الحقيقي يكمن في العلاقات الثنائية، التي تشهد تباعدًا متزايدًا حول القضايا الاستراتيجية والتجارية.
ضربة اقتصادية غير متوقعة من واشنطن
أثار إعلان ترامب عن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات الكورية الجنوبية صدمة في سيول، التي كانت تعتقد أن اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة ستحميها. هذه الخطوة فجرت خلافًا عميقًا حول مفهوم “العدالة” في العلاقة التجارية بين البلدين.

هواجس من تهميش كوريا الجنوبية
يشعر صناع القرار في سيول أن واشنطن باتت تركز أكثر على احتواء الصين، على حساب مواجهة تهديدات كوريا الشمالية. المخاوف الكورية تعززها تصريحات ترامب المتكررة التي تمدح كيم جونغ أون، مقابل نبرته العدائية تجاه الجنوب.
السياسة الداخلية تُضعف الموقف التفاوضي
أدت الاضطرابات السياسية في كوريا الجنوبية، خاصة بعد عزل الرئيس يون سوك يول، إلى حالة من الشلل في اتخاذ القرار. استقالة كبار المسؤولين، بمن فيهم رئيس الوزراء ووزير المالية، تركت البلاد بسلطة انتقالية ضعيفة عشية انتخابات رئاسية مصيرية.

مرشحون بمواقف متباينة تجاه واشنطن وبكين
في خضم هذه الفوضى، تتجه الأنظار إلى الانتخابات. فالمعارض اليساري لي جاي-ميونغ يصف الولايات المتحدة بـ”قوة محتلة”، ويدعو إلى تقارب مع الصين، بينما يتمسك منافسه المحافظ بالتحالف التقليدي مع واشنطن. أيًا كانت النتيجة، ملفات عالقة كثيرة تنتظر الحسم.
اتفاقيات اقتصادية على المحك
المفاوضات التجارية شهدت انتكاسة بعد فشل القائم بأعمال الرئيس في تمرير صفقة مع واشنطن. وبينما تأمل سيول في تخفيف الرسوم عبر شراء الغاز الأمريكي أو بناء سفن للبحرية الأمريكية، فإن هذه الخطوات قد لا تقلص الفائض التجاري الكبير مع الولايات المتحدة.

التحالف الدفاعي أمام اختبار تاريخي
ربط ترامب بين التعاون العسكري والعوائد الاقتصادية يثير قلق المسؤولين الكوريين، خصوصًا مع التلميحات الأمريكية إلى إمكانية خفض القوات المنتشرة في شبه الجزيرة. هذا التحول في المفهوم الدفاعي الأمريكي يهدد بتقويض الركيزة الأساسية للتحالف.
تغير الأولويات الأمريكية من كوريا إلى تايوان
تشير تصريحات مسؤولين أمريكيين إلى أن بيونغ يانغ لم تعد أولوية استراتيجية، بل تحولت الأنظار إلى تايوان. هذا التحول قد يدفع واشنطن لنقل قواتها خارج كوريا، ما يثير مخاوف من “هجر” الجنوب أو “جرّه” إلى صراع مع الصين، وكلا الخيارين مرعب لسيول.

كابوس صفقة منفردة بين ترامب وكيم
السيناريو الأسوأ بالنسبة للكوريين الجنوبيين هو تكرار تجربة 2018، عندما أبرم ترامب محادثات مباشرة مع كيم. الآن، ومع تعاظم ترسانة بيونغ يانغ النووية وتنامي تحالفها مع روسيا، تخشى سيول من اتفاق “جزئي” يحمي أمريكا ويتركها تحت رحمة الشمال. مطالب التسلح النووي الذاتي في كوريا الجنوبية لم تعد مجرد همسات، بل مرشحة لأن تصبح واقعًا إذا استمرت واشنطن في تهميش حليفها التقليدي.