الصحة والتعليم

دواء جديد يحدث نقلة نوعية في علاج ضغط الدم المرتفع المستعصي

ارتفاع ضغط الدم يُعد من أكبر التحديات الصحية عالميًا، حيث يعاني منه أكثر من 1.3 مليار إنسان. ورغم وفرة الأدوية المتاحة، يظل نصف هؤلاء المرضى تقريبًا غير قادرين على السيطرة على ضغطهم الدموي. هذه الفئة تُعرف بمرضى “الضغط المقاوم” أو “غير المسيطر عليه”، وهي الأكثر عرضة للإصابة بأزمات قلبية، سكتات دماغية، فشل كلوي، وحتى الوفاة المبكرة.

ظهور “باكسدروستات” – بارقة أمل جديدة

خلال المؤتمر السنوي للجمعية الأوروبية لأمراض القلب في مدريد، أعلن باحثون عن نتائج تجربة سريرية لدواء جديد يُدعى باكسدروستات (Baxdrostat)، وُصف بأنه “مغير قواعد اللعبة” في علاج ارتفاع ضغط الدم المستعصي

التجربة، المعروفة باسم BaxHTN، شملت 796 مريضًا موزعين على أكثر من 214 مركزًا طبيًا حول العالم. وبعد 12 أسبوعًا فقط، تبيّن أن المرضى الذين تناولوا باكسدروستات سجلوا انخفاضًا في ضغط الدم الانقباضي بمقدار 9–10 ملم زئبق مقارنة بالدواء الوهمي (Placebo). هذا الانخفاض يُعتبر ذا أهمية قصوى، إذ تُظهر الدراسات أن تقليل الضغط بهذا المعدل يقلل بشكل ملموس من مخاطر أمراض القلب والشرايين.

نتائج مبهرة تتجاوز التوقعات

ما يقارب 40% من المرضى الذين تناولوا جرعة يومية من 1 ملغ أو 2 ملغ من الدواء تمكنوا من الوصول إلى مستويات طبيعية لضغط الدم، مقارنة بـ 19% فقط تقريبًا ممن تناولوا العلاج الوهمي.

البروفيسور برايان ويليامز، الباحث الرئيسي ورئيس قسم الطب بجامعة UCL، قال:

“لم أرَ في حياتي انخفاضًا بهذا الحجم في ضغط الدم بفضل دواء واحد. تحقيق خفض يقارب 10 ملم زئبق أمر مثير للغاية، لأنه يرتبط مباشرة بانخفاض كبير في مخاطر الأزمات القلبية والجلطات والسكتات الكلوية”.

وأضاف أن هذا الدواء قد يساعد ما يصل إلى نصف مليار شخص حول العالم ممن يعانون من الضغط المقاوم.

كيف يعمل الدواء؟

لفهم أهمية باكسدروستات، يجب معرفة دور هرمون الألدوستيرون. هذا الهرمون ينظم توازن الملح والماء في الجسم عبر الكليتين. لدى بعض الأشخاص، يُنتج الجسم كميات مفرطة من الألدوستيرون، ما يؤدي إلى احتباس الملح والسوائل، وبالتالي ارتفاع ضغط الدم وصعوبة السيطرة عليه بالأدوية التقليدية.

محاولات العلماء لعقود ركزت على تعطيل تأثير الألدوستيرون، لكنها لم تنجح في خفض مستوياته مباشرة. هنا يأتي دور باكسدروستات، الذي يُعد أول دواء ينجح في منع إنتاج الألدوستيرون ذاته، مما يعالج السبب الجذري للضغط المقاوم.

ويصف ويليامز ذلك بقوله:

“هذا الدواء يمثل انتصارًا علميًا حقيقيًا. للمرة الأولى نمتلك علاجًا قادرًا على استهداف إنتاج الألدوستيرون بدقة، ما يفتح الباب لعصر جديد في السيطرة على ارتفاع ضغط الدم”.

أهمية عالمية تتجاوز الغرب

في الماضي، كان يُعتقد أن ارتفاع ضغط الدم أكثر شيوعًا في الدول الغربية الغنية، نتيجة أنماط الحياة غير الصحية. لكن الآن، تُظهر الأرقام أن العبء الأكبر يقع على عاتق الدول النامية، خصوصًا في آسيا. أكثر من 226 مليون شخص في الصين و 199 مليونًا في الهند يعانون من ضغط دم مرتفع، ما يجعل الحاجة لعلاج فعال وعملي أكثر إلحاحًا.

تقييم الخبراء المستقلين

البروفيسور بول ليسون، أستاذ أمراض القلب بجامعة أكسفورد، والذي لم يشارك في التجربة، وصف النتائج بأنها “واعدة جدًا”. وأوضح أن الأدوية السابقة التي تستهدف الألدوستيرون كانت تقتصر على حجب تأثيره، لكنها لم تقلل مستوياته فعليًا، ما يعني استمرار الأعراض الجانبية. أما باكسدروستات فيُعتبر أول دواء يقلل من إنتاج الهرمون مباشرة.

كما أشار إلى أن شمول التجربة لمشاركين من خلفيات عرقية وجغرافية متنوعة يعزز من مصداقية النتائج، ويجعلها قابلة للتطبيق على نطاق عالمي واسع.

إنجاز آخر في المؤتمر: دواء للكوليسترول

ولم يقتصر الحديث في مؤتمر مدريد على ضغط الدم فقط؛ فقد عُرضت أيضًا نتائج واعدة لعقار جديد يُسمى Leqvio (inclisiran)، وهو حقنة تعطى مرتين فقط في السنة وتعمل على خفض الكوليسترول بشكل فعال مع آثار جانبية أقل من أدوية الستاتين التقليدية. هذه النتائج تشير إلى أن مجال أمراض القلب والأوعية يشهد طفرة متزامنة قد تغيّر أساليب العلاج في السنوات المقبلة.

ما الذي ينتظر باكسدروستات؟

رغم التفاؤل الكبير، لا يزال الدواء بحاجة إلى استكمال مراحل المراجعة والتنظيم قبل أن يُطرح تجاريًا على نطاق واسع. كما يتطلب مراقبة طويلة الأمد للتأكد من أمانه وفعاليته المستمرة. لكن إذا حصل على الموافقات اللازمة، فإنه قد يُحدث ثورة في علاج واحد من أخطر وأكثر الأمراض انتشارًا في العالم.

 الخلاصة:

باكسدروستات ليس مجرد دواء جديد، بل قد يكون نقطة تحول تاريخية في علاج ارتفاع ضغط الدم المقاوم. إذا أثبت فعاليته وأمانه على المدى الطويل، فسيُغيّر حياة مئات الملايين حول العالم، ويقلل من عبء الأمراض القلبية والوعائية التي لا تزال السبب الأول للوفاة عالميًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى