عودة الهند إلى الفضاء بعد 40 عامًا: كيف ألهم رائد فضاء واحد جيلاً كاملاً من الحالمين؟
شوكلا يعيد الهند للفضاء ويُلهم جيلاً كاملاً من الحالمين الصغار

بينما يحلق شوبهامشو شوكلا فوق سماء الهند على متن محطة الفضاء الدولية، ينظر آلاف الطلاب إلى الأعلى ليس فقط بحثًا عن ومضة في السماء، بل أملاً جديدًا في مستقبلٍ علمي مختلف.
لأول مرة منذ عقود، تعود الهند إلى الفضاء برائد فضاء جديد هو شوبهامشو شوكلا، طيار الاختبار في سلاح الجو الهندي ومهندس الطيران، الذي يشارك ضمن طاقم مهمة Axiom Mission 4. ظهوره على الساحة لا يمثل فقط إنجازًا علميًا، بل يشعل شرارة الإلهام في قلوب طلاب المدارس من القرى والبلدات النائية، ويعيد تشكيل تصورهم لما يمكن أن يكون عليه المستقبل.
الأطفال ينظرون إلى الفضاء… ويبحثون عن شبيههم
من غرب البنغال إلى المناطق القبلية في شاتيسغار، يتابع الطلاب تحركات شوكلا في الفضاء لحظة بلحظة باستخدام تطبيقات على هواتف أهاليهم، منتظرين مرور محطة الفضاء الدولية في السماء ليلاً. هناك من يتخيله يكتشف كائنات فضائية، وهناك من يخشى أن ينقل البشر استغلالهم إلى الكواكب الأخرى.
ماذا يعني أن ترى شخصًا يشبهك في الفضاء؟
بالنسبة للطلاب مثل ديبورشي هالدر وسابنام سيرين، لم تعد الفضاءات البعيدة مجرد مواضيع في كتب الجغرافيا، بل مساحات محتملة للحياة، للتساؤل، وربما للحلم بمكان جديد للإنسان. تقول سابنام: “إذا صارت الكواكب الأخرى صالحة للسكن، فقد نلوثها كما فعلنا بالأرض”. إنها أصوات تتأرجح بين الأمل والقلق، وتعكس وعيًا علميًا وإنسانيًا في آنٍ واحد.

من الورق المقوى إلى النجوم: مختبرات بديلة تولد الإبداع
في مدرسة “كالاش” الحكومية، لا توجد مختبرات متقدمة أو نماذج فضائية مكلفة. بدلاً من ذلك، جلس الطلاب على الأرض يصنعون نظامًا شمسيًا من الورق المقوى. الورشة التي نظمتها منظمة Life-To and Beyond غير الربحية، هي واحدة من أكثر من 30 ورشة علمية نفذتها في أنحاء البلاد، حتى في المناطق التي تعاني من اضطرابات أمنية.

العلم يولد من نقص الإمكانات لا من وفرتها
يقول مؤسس المنظمة، سيبسانكار باليت: “لا يمكننا أن نعتمد على الكتب فقط. نحن بحاجة إلى شيء تفاعلي يُشعل الفضول”. ومع نقص المعدات، أصبح الابتكار ضرورة، بدءًا من أوريري ورقي (نموذج لحركة الكواكب) إلى مجسمات صاروخية يدوية، في محاولة لجعل الفضاء حقيقيًا وملموسًا.
أجيال لا تملك الهواتف… ولكنها تملك خيالًا علميًا
الطالبتان إمرانة رحمن ولبيبة ناز، رغم أنهما لا تملكان هواتف ذكية خاصة، قامتا بتحميل تطبيقات متابعة الكواكب على هواتف الأهل، وتتابعان بها تحركات محطة الفضاء الدولية. إنهما تجسيد لمفارقة التكنولوجيا والتعليم في العالم النامي: أدوات قليلة، لكن شغف كبير.
من تلاميذ القرى إلى حراس المستقبل الفضائي
معظم طلاب مدرسة “كالاش” يأتون من أسر منخفضة الدخل، وبعضهم أول من يرتاد المدرسة في عائلته. بالنسبة لهم، لم يكن الفضاء يومًا خيارًا مهنيًا، بل ضربًا من الخيال. لكن باليت يذكّرهم دائمًا: “البرنامج الفضائي الهندي بدأ في قرية صغيرة، وأول صاروخ أُطلق من قرية صيد بسيطة في كيرالا عام 1963”.
حين يصبح الفضاء وسيلة للتمكين الاجتماعي
في بلد يعاني من تفاوتات طبقية وتعليمية شاسعة، بات الفضاء رمزًا للتغيير. لم يعد حلمًا حكرًا على النخب أو طلاب المدارس الخاصة. رائد الفضاء الهندي الجديد أصبح تجسيدًا لفكرة أن الجدارة يمكن أن تأتي من أي مكان، حتى من مقاعد المدارس الريفية البسيطة.
الفضاء منصة لنقاشات أكبر من التكنولوجيا
اللافت في هذا الحراك الشعبي ليس فقط الاهتمام العلمي، بل النقاشات الأخلاقية التي يثيرها الأطفال حول التلوث الفضائي، والاستعمار الكوني، ومصير البشرية. إنها مؤشرات على جيل يُفكر بما هو أبعد من نجاح المهمة، نحو مغزى الوجود الإنساني خارج الأرض.
اقرأ أيضاً الولايات المتحدة تستأنف دعم كييف العسكري وسط مؤشرات تصعيد ومخاوف أوروبية
النساء أيضًا ينظرن إلى السماء
في مجتمع ما يزال يواجه تحديات تتعلق بتعليم الفتيات، تشير تجربة الطالبات في هذه القصة إلى تحولات هادئة وعميقة في تصور الفتاة لدورها في المستقبل. أن تكوني “عالمة فضاء” لم يعد مجرد حلم مستورد من أفلام هوليوود، بل طموح ممكن لطفلات قرية هندية.
نداءٌ من خارج الغلاف الجوي
ربما يكون شوكلا الآن على ارتفاع أكثر من 400 كيلومتر عن الأرض، لكن صدى مهمته يتردد في قاعات صفوف ضيقة تحت مروحات سقفية قديمة. ومن هناك، من هذه المساحات المتواضعة، يبدأ صدى التغيير الحقيقي. لا يحتاج الفضاء إلى تكنولوجيا فقط، بل إلى خيال، وهذا ما تقدمه هذه التجربة الهندية الملهمة.