عربي وعالمي

هل يرغب اليابانيون فعلاً في شراء السيارات الأمريكية؟

هل تتحق سياسة دونالد ترامب فى اليابان

في الوقت الذي احتفل فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتحقيق نصر طال انتظاره على صعيد العلاقات التجارية مع اليابان، تسود أوساط الخبراء الاقتصاديين والمحللين شكوك عميقة بشأن الأثر الفعلي لهذه “الانتصارات” المعلنة. فالصفقة الأخيرة التي وعدت فيها طوكيو بفتح أسواقها أمام السيارات الأمريكية، تمثل واحدة من أبرز أوراق ترامب في حربه الطويلة ضد العجز التجاري، إلا أن الأسئلة الجوهرية تظل بلا إجابة: هل يوجد في اليابان طلب حقيقي على السيارات الأمريكية؟ وهل تكفي إزالة العوائق التنظيمية لتغيير معادلة راسخة منذ عقود؟

 

اليابان تحت المجهر: هل المشكلة في الحواجز أم في الطلب الحقيقي؟

منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، لم تنجح شركات صناعة السيارات الأمريكية في تحقيق موطئ قدم حقيقي في السوق اليابانية. فرغم أن طوكيو لا تفرض رسومًا جمركية على السيارات المستوردة منذ أواخر السبعينيات، إلا أن الحصة السوقية للعلامات الأمريكية مثل فورد وجنرال موتورز ظلت هامشية، بل وانسحبت فورد من السوق الياباني بالكامل في عام 2016، بعد فشلها في تحقيق ربحية.

 

ويُرجع الرئيس ترامب هذه الفجوة إلى “عراقيل تنظيمية غير عادلة”، خاصة المتعلقة باختلاف معايير السلامة اليابانية عن نظيرتها الأمريكية. وخلال فترته الرئاسية الثانية، تمكن من دفع اليابان للموافقة على استقبال السيارات الأمريكية دون فرض معايير السلامة المحلية المعتادة، في مقابل فرضه رسومًا جمركية بنسبة 15% على واردات اليابان إلى الولايات المتحدة، وهو أقل من النسبة التي هدد بها (25%).

 

لكن خبراء صناعة السيارات في طوكيو يشيرون إلى أن المشكلة أعمق بكثير من المعايير أو الضرائب. فشوارع اليابان الضيقة، وثقافة السيارات الصغيرة والاقتصادية، تجعل من الصعب على السيارات الأمريكية كبيرة الحجم والبنزينية أن تجد رواجًا حقيقيًا بين المستهلكين المحليين.

فورد وكاديلاك.. بين الإعلانات السياسية والواقع الياباني

في طوكيو، تبدو قصة فورد فِيستا المعروضة عام 2014، أو الكاديلاك فليتوود التي اختبرها الدبلوماسي الأمريكي جلين فوكوشيما، تجسيدًا لفجوة ثقافية واقتصادية يصعب تجاوزها بمجرد اتفاق سياسي. فحتى مع إزالة الحواجز، لا يعني ذلك بالضرورة أن المواطن الياباني سيتخلى عن تويوتا أو هوندا ليقتني شيفروليه.

 

تسويوشي كيمورا، أستاذ في جامعة تشو وأحد المسؤولين السابقين في جنرال موتورز، قالها بصراحة: “حتى لو أعلنت اليابان فتح أسواقها بالكامل، فلن تبيع السيارات الأمريكية كثيرًا، لأنها ببساطة لا تتماشى مع حاجات المستهلك الياباني”.

 

ترامب والحنين إلى حروب تجارية قديمة

المواقف الحالية تُعيد إلى الأذهان أجواء الثمانينيات والتسعينيات، عندما كانت واشنطن وطوكيو على شفا حرب تجارية بسبب السيارات، ما أدى حينها إلى فتح بعض قنوات التوزيع للعلامات الأجنبية. لكن ذلك لم يترجم إلى مكاسب فعلية تُذكر في المبيعات، إذ لم تتغير الأذواق، ولم تطوّع الشركات الأمريكية سياراتها لتناسب السوق الياباني.

 

بالنسبة لترامب، تكرار هذا السيناريو جزء من رؤيته الخاصة للتفاوض، حيث تُعتبر الرمزية السياسية لفتح الأسواق أهم من الأثر الاقتصادي المباشر. وهذا ما أكده آلان وولف من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، بقوله إن “أهمية هذه الاتفاقيات تكمن في رمزيتها السياسية، وليس بالضرورة في أرقام الصادرات”.

بين الرؤية الأمريكية والواقع الياباني

البيت الأبيض يؤكد أن فتح الأسواق جزء من حملة أوسع لتقليص العجز التجاري الأمريكي. وتشمل جهود ترامب الأخرى صفقات مماثلة مع كوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي، حيث تم الاتفاق على إزالة عراقيل أمام صادرات الدواجن والسيارات والمنتجات الزراعية.

 

لكن كما حدث مع حظر الدواجن الأمريكية المعقمة بالكلور في أوروبا، فالسؤال الحقيقي ليس فقط: “هل ستفتح الأسواق؟”، بل: “هل سيشتري المستهلكون هذه المنتجات حتى بعد فتحها؟”

 

خلاصة تحليلية: التبادل التجاري لا يُفرض بالقوة

الصفقة التجارية بين أمريكا واليابان بشأن السيارات تطرح تساؤلات استراتيجية كبرى تتجاوز التفاصيل الفنية. فحتى لو تخلّت طوكيو عن معاييرها التنظيمية، فإن عوامل السوق والطلب والثقافة الاستهلاكية تبقى أقوى من الأوامر السياسية.

 

الرئيس ترامب يضع هذه الصفقات ضمن حملته لتقليص العجز التجاري وتدعيم “أمريكا أولاً”، لكن الواقع يقول إن الدخول إلى الأسواق الآسيوية يتطلب أكثر من إزالة الحواجز: يحتاج إلى فهم عميق للسوق، وتطوير منتجات تناسبه، وبناء ثقة طويلة الأمد.

 

فتح السوق لا يعني الفوز به. وهذه، ربما، هي الرسالة التي تتجاهلها السياسة بينما تفرضها قواعد السوق بهدوء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى