سوبرمان والسياسة الخارجية الأمريكية: ما الذي يقوله البطل الخارق عن دور واشنطن في العالم؟
"سوبرمان" مرآة لسياسة أمريكا الخارجية: بين القوة المطلقة والقيود الأخلاقية

رجل في بدلة زرقاء ووشاح أحمر قد لا يبدو لأول وهلة مؤهلاً لمناقشة قضايا الجغرافيا السياسية، لكن الفيلم الجديد “سوبرمان” الذي يُعرض في دور السينما ابتداءً من 11 يوليو، يقدم طرحًا غير تقليدي: هل على الرجل القادر على فعل كل شيء أن يختار أحيانًا ألا يفعل شيئًا؟
سوبرمان في نسخته الجديدة يتدخل ليمنع دولة من غزو أخرى، في قرار يبدو للوهلة الأولى نبيلاً ومنقذًا للأرواح. لكن الصحفية “لويس لين” تتساءل: من خوّل البطل الخارق للتدخل في شؤون الدول الأخرى؟ وهل فكر في العواقب السياسية لأفعاله أحادية الجانب؟ هذا السؤال لم يعد مجرد حبكة درامية، بل مرآة تعكس النقاش الأمريكي القديم المتجدد حول دور واشنطن كشرطي عالمي.
“الرجل الأمريكي المثالي” كما تريده أمريكا
لم يكن سوبرمان منذ البداية مجرد بطل خيالي. فقد صاغه جيري سيغل، نجل مهاجرين يهود من ليتوانيا، بعد مقتل والده في جريمة سطو بأوهايو. تخيل سيغل شخصية تملك قوة لا حدود لها، قادرة على التصدي للظلم والجريمة. ومنذ ظهوره الأول عام 1938 في عدد “Action Comics 1″، كان سوبرمان انعكاسًا لفكرة أمريكية مركزية: القوة يجب أن تُستخدم في سبيل “الحق والعدالة والطريقة الأمريكية”.
من العزلة إلى الهيمنة
في بداياته، كان سوبرمان يهتم بالشأن المحلي، متجنبًا السياسة الدولية، وهو ما يتماشى مع المزاج الأمريكي الانعزالي آنذاك. ولكن مع دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، واجه الكُتاب معضلة: كيف يمكن لشخص بهذه القدرات ألا يهزم النازيين بضربة واحدة؟ فقرروا أن “كلارك كينت” يُرفض من الخدمة العسكرية بعد فشل في اختبار النظر. في المقابل، استُخدم سوبرمان كرمز معنوي للقوات الأمريكية، وتحوّل إلى أداة دعاية وطنية، في تجسيد واضح لفكرة “التفوق الأخلاقي الأمريكي”.
الحرب الباردة وسؤال التدخل
في فيلم “سوبرمان 2” عام 1980، يقرر البطل التخلي عن قواه ليعيش حياة طبيعية مع حبيبته، ما يترك العالم في مهب خطر الغزو بقيادة الجنرال “زود”. وفي النهاية، يستعيد قواه ويرفع العلم الأمريكي فوق البيت الأبيض. الرسالة كانت واضحة: لا يمكن لأمريكا أن تتخلى عن دورها القيادي في عالم تهدده قوى التوسع والشر.
القلق من القوة المفرطة
مع نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الجديدة، بدأ سوبرمان في التردد. في القصص الحديثة، يتساءل: “ما حقي في فرض قيمي على الآخرين؟”. وبدأت تدخّلاته تأخذ طابع العمليات الدقيقة، التي تستهدف إرهابيين باستخدام أقل قدر ممكن من القوة — في استلهام مباشر لسياسات الضربات الجوية بالطائرات المسيّرة التي اعتمدتها واشنطن بعد 11 سبتمبر.
النسخة الجديدة: سوبرمان في عهد الشكوك
النسخة الجديدة من الفيلم لا تخلو من لحظات الأكشن والحوار الساذج، لكنها تطرح أيضًا رؤية مغايرة. فالتدخل الذي ينفذه سوبرمان يتبين لاحقًا أنه فخ، وهي حبكة تعكس مزاجًا أمريكيًا جديدًا يرى أن واشنطن كثيرًا ما تُستدرج إلى صراعات خاسرة. هذا يتقاطع مع رؤية بعض أعضاء فريق دونالد ترامب، الذين يؤمنون بأن الانخراط في نزاعات العالم لا يعود على الولايات المتحدة إلا بالخسائر.
اقرأ أيضاً رومانيا في مواجهة مفتوحة مع بروكسل بسبب العجز المالي المتضخم
ما بين القوة والامتناع: رسالة اللحظة
في النهاية، يطرح الفيلم سؤالًا مركزيًا يلامس قلب السياسة الخارجية الأمريكية: إذا كنت تملك القدرة على فعل كل شيء، فهل من الحكمة أن تفعل؟ أم أن الامتناع عن التدخل قد يكون أحيانًا خيارًا أخلاقيًا واستراتيجيًا؟
في زمن تتغير فيه التحالفات، وتتراجع فيه ثقة الأمريكيين بدورهم الدولي، يقدم “سوبرمان” انعكاسًا ثقافيًا لحيرة أمة بين الهوية والدور، بين الماضي المثالي والحاضر المشوش.