تجارة النفط بين الهند وروسيا تُشعل أزمة مع أمريكا
ترامب: نيودلهي تموّل موسكو بشراء النفط وتعيد بيعه لأوروبا

تجارة النفط بين الهند وروسيا تتحول إلى أزمة سياسية وتجارية شديدة التعقيد، بعد تصريحات مفاجئة من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب هدد فيها الهند بعقوبات قاسية بسبب علاقاتها النفطية المتنامية مع موسكو، الأمر الذي يعيد تشكيل موازين القوى التجارية والجيوسياسية في آسيا.
بداية الأزمة: ترامب يتهم الهند بتمويل الحرب الروسية
فجّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أزمة حادة في العلاقات الأمريكية الهندية بعدما اتهم الهند علنًا بمساعدة روسيا في حربها ضد أوكرانيا، من خلال استمرارها في شراء كميات ضخمة من النفط الروسي بأسعار منخفضة.
جاءت تصريحات ترامب أواخر يوليو 2025 خلال مقابلة مع قناة CNBC، حيث أعلن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على السلع الهندية، معتبرًا أن الهند أصبحت “أكبر مشترٍ للطاقة الروسية بعد الصين”، وهو ما اعتبره بمثابة دعم مباشر لآلة الحرب الروسية.
وأكد ترامب أنه لا يستبعد رفع نسبة الرسوم خلال 24 ساعة، إلى جانب فرض عقوبات إضافية على الهند، ما دفع الحكومة الهندية للرد ببيان شديد اللهجة وصف تلك التصريحات بأنها “تهديد غير مبرر وتدخل في الشؤون السيادية للهند”.
لماذا تتجه الهند إلى النفط الروسي بهذه القوة؟
تُعد تجارة النفط بين الهند وروسيا حاليًا أحد أكبر التحولات الاقتصادية في آسيا.
فالهند، باعتبارها أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، وأحد أسرع الاقتصادات نموًا، تعتمد على الطاقة المستوردة لتلبية طلبها المحلي الضخم.
بعد الحرب الروسية الأوكرانية وفرض الغرب عقوبات على موسكو، بدأت روسيا بيع نفطها بأسعار منخفضة.
واستغلت الهند هذه الفرصة الاقتصادية، حيث ارتفعت وارداتها من النفط الروسي من 0.2% قبل 2022 إلى 45% في 2025، بمتوسط يتجاوز مليوني برميل يوميًا.
هذا التحول لم يكن فقط اقتصاديًا، بل كان أيضًا استراتيجيًا، حيث وفّر للهند مصدرًا آمنًا ومنخفض التكلفة للطاقة، وساعد روسيا على الاستمرار في بيع نفطها بعيدًا عن الأسواق الغربية.
هل تخالف الهند العقوبات الغربية على روسيا؟
الهند لم تنضم لأي من العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، ولم توقع على اتفاق سقف الأسعار الذي تبناه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وتصر نيودلهي على أن تعاملها مع موسكو في مجال الطاقة شأن سيادي يرتبط بمصالحها القومية.
وزارة الخارجية الروسية دعمت الموقف الهندي، ووصفت تصريحات ترامب بأنها “غير قانونية”، مؤكدة أن “لا أحد في العالم يملك الحق في إرغام الدول على قطع علاقاتها الاقتصادية مع موسكو”.
ماذا تفعل الهند بالنفط الروسي بعد استيراده؟
لا يقتصر استخدام النفط الروسي في الهند على السوق المحلية فقط، بل تقوم مصافي هندية كبرى مثل “جامناغار” – أكبر مصفاة في العالم، بتكرير النفط الروسي وإعادة تصديره كمنتجات بترولية مثل الديزل والفيول إلى دول أوروبا وآسيا.
وقد حققت شركات هندية كبرى، وعلى رأسها مجموعة “ريلاينس”، مكاسب ضخمة من تجارة النفط بين الهند وروسيا، إذ ارتفعت أرباحها وأسهمها بنسبة وصلت إلى 34% منذ بدء الحرب.
بينما بقيت أسهم شركات أمريكية كبرى مثل ExxonMobil مستقرة نسبيًا.
هل تستطيع الهند التوقف عن شراء النفط من روسيا؟
وفقًا لتقارير شركة Kpler العالمية المتخصصة في تتبع شحنات الطاقة، بدأت الهند بالفعل في خفض وارداتها من النفط الروسي خلال الأسابيع الأخيرة.
لكن الخبراء يحذرون من أن أي انسحاب كامل من السوق الروسية سيكون معقدًا ومكلفًا.
الكثير من المصافي الهندية مصممة خصيصًا لمعالجة النفط الثقيل الروسي، وبالتالي فإن تغيير الموردين يتطلب تعديلات تقنية واستثمارات ضخمة.
وقالت Kpler: “الابتعاد عن روسيا – إذا فُرض على الهند – سيكون مسارًا شاقًا سياسيًا واقتصاديًا”.
تداعيات التهديدات الأمريكية على التجارة العالمية
أزمة تجارة النفط بين الهند وروسيا لا تقتصر على العلاقات الثنائية، بل تهدد بتوسيع فجوة التوتر التجاري بين الولايات المتحدة وحلفائها في آسيا.
الرسوم الجديدة التي وعد ترامب بفرضها ستدخل حيز التنفيذ بدءًا من الخميس المقبل، وقد تؤثر على عشرات الدول تتعامل مع روسيا تجاريًا.
وفي ظل استمرار توتر سلاسل الإمداد العالمية بسبب الأزمات السابقة، قد تؤدي هذه الخطوات العقابية إلى مزيد من الاضطرابات في أسواق الطاقة العالمية والتجارة الدولية.
اقرا ايضا:
الهند في مواجهة الحمائية الترامبية: مأزق اقتصادي أم اختبار سياسي؟
مستقبل العلاقة بين نيودلهي وواشنطن
تضع هذه الأزمة مستقبل العلاقات الأمريكية الهندية في مأزق، خاصة في ظل التعاون الدفاعي والتقني المتقدم بين البلدين خلال السنوات الأخيرة.
وقد يؤدي الإصرار الأمريكي على معاقبة الهند إلى تباطؤ التعاون الاستراتيجي بين الطرفين، بل وربما يدفع نيودلهي لتوثيق علاقتها بموسكو بشكل أكبر.
الخلاصة: هل تختار الهند واشنطن أم موسكو؟
في ظل تصاعد أزمة تجارة النفط بين الهند وروسيا، تبقى نيودلهي في موقع صعب بين شريك استراتيجي غربي يلوّح بالعقوبات، ومورد طاقة موثوق يوفر احتياجاتها بأسعار منخفضة.
يبقى السؤال الحاسم:
هل تُغامر الهند بخسارة دعم واشنطن؟ أم تتمسك بسيادتها الاقتصادية وتواصل الشراكة النفطية مع موسكو؟
الإجابة على هذا السؤال ستحدد شكل التجارة الآسيوية، وربما توازن القوى الجيوسياسي العالمي، خلال السنوات القادمة.