زوكربيرغ وألتمان يقتربان من ترامب بعد خلافه مع ماسك

عشاء البيت الأبيض يكشف التحولات
في عشاء رفيع المستوى جمع ترامب بكبار قادة التكنولوجيا مؤخرًا، جلس مارك زوكربيرغ على يمين الرئيس الأمريكي، فيما راقب سام ألتمان المشهد من الجهة المقابلة. لم يكن هذا الترتيب محض صدفة، بل ثمرة استراتيجية مدروسة من رئيسي “ميتا” و”أوبن إيه آي” لتعزيز قربهما من الإدارة، خصوصًا بعد القطيعة الشهيرة بين ترامب وإيلون ماسك هذا الصيف.
تحالف مصلحة لا تحالف مبادئ
وفقًا لمطلعين في واشنطن، العلاقة الحالية بين ترامب من جهة وزوكربيرغ وألتمان من جهة أخرى ليست أكثر من “زواج مصلحة”. فبينما تسعى الشركات للحصول على دعم حكومي وتخفيف القيود التنظيمية، يستفيد ترامب من قدرتهم على ضخ استثمارات ضخمة داخل الولايات المتحدة وعرض إنجازات ملموسة أمام الرأي العام.
استثمارات هائلة ووعود بالسيطرة على الذكاء الاصطناعي
زوكربيرغ تعهّد باستثمارات لا تقل عن 600 مليار دولار في الاقتصاد الأمريكي حتى عام 2028، ما يسمح لترامب بأن يظهر كحامٍ لتفوق أمريكا التكنولوجي في مواجهة الصين. من جهتها، فتحت كل من ميتا وأوبن إيه آي الباب أمام استخدام الجيش لتقنياتهما، وهو تحول بارز في سياسات الشركتين.

ألتمان.. من منتقد لترامب إلى شريك سياسي
سام ألتمان، الذي وصف انتخاب ترامب عام 2016 بأنه “أسوأ لحظة في حياته”، أصبح اليوم جزءًا من الدائرة المقربة. فقد رافق الرئيس في رحلات رسمية إلى السعودية وبريطانيا، وشارك في الإعلان عن مشروع “ستارغيت” لبناء مراكز بيانات بقيمة 500 مليار دولار. هذه الخطوة لم تكن وليدة اللحظة، بل جرى الإعداد لها قبل الانتخابات بالتنسيق مع شخصيات مثل لاري إليسون، أحد أبرز حلفاء ترامب في وادي السيليكون.
زوكربيرغ يبدّل سياسات ميتا
أما زوكربيرغ، فقد أجرى تحولات واضحة في سياسة شركته، أبرزها رفع القيود عن آليات التحقق الخارجي للمحتوى على منصاته، وهو ما اعتبره مراقبون انفتاحًا على خطاب اليمين. كما عزز نفوذ شخصيات جمهورية داخل الشركة مثل جويل كابلان، وعمل عبر مستشارين سياسيين على بناء صلات مباشرة مع دوائر القرار في البيت الأبيض.
مواجهة التشريعات الأوروبية
من أبرز نقاط الالتقاء بين الطرفين معارضة التشريعات الأوروبية المتعلقة بالضرائب الرقمية وقوانين “الأسواق الرقمية”. فقد اشتكى زوكربيرغ مباشرة لترامب من هذه القوانين، ليخرج الرئيس بعدها بتصريحات نارية على منصته “تروث سوشال”، مهاجمًا بروكسل ومهددًا بفرض تعريفات جمركية عقابية. هذا التناغم السياسي مكّن ميتا من الشعور بأنها استعادت بعض النفوذ المفقود خلال إدارة بايدن.

الشكوك مستمرة في واشنطن
رغم الانسجام الظاهر، ما زالت هناك شكوك عميقة داخل الإدارة. مسؤولون في البيت الأبيض يرون أن تقارب زوكربيرغ وألتمان مع ترامب تحكمه دوافع براغماتية أكثر من كونه التزامًا أيديولوجيًا. أحد المقربين من الإدارة صرح: “إذا أصبح غافين نيوسوم رئيسًا، ستجد الاثنين جالسين بجانبه يصفانه بأعظم إنجاز بعد اختراع الخبز”.
تحديات قضائية وتنظيمية قائمة
هذا القرب من البيت الأبيض لم يُعفِ ميتا من أزماتها، فهي ما زالت تواجه دعوى مكافحة الاحتكار وتحقيقات من لجنة التجارة الفيدرالية، إضافة إلى استجوابات في الكونغرس حول دور الذكاء الاصطناعي في التأثير على الخطاب السياسي. وفي الوقت نفسه، لم تنجح شركات التكنولوجيا في تمرير تشريع فيدرالي يمنع الولايات من وضع قواعدها الخاصة للذكاء الاصطناعي، ما يترك البيئة التنظيمية مفتوحة على المجهول.

الرهان السياسي لشركات التكنولوجيا
إزاء هذه العقبات، لجأت ميتا إلى إنشاء “سوبر باك” انتخابي في كاليفورنيا لدعم السياسيين المؤيدين لنهج تنظيمي مرن. لكن محللين حذروا من أن هذه الاستراتيجية قد تنقلب على الشركة بمجرد تغيّر موازين القوى في واشنطن، خاصة وأن الاتحاد الأوروبي معروف بذاكرته الطويلة في التعامل مع شركات التكنولوجيا العملاقة.
براغماتية أم تحالف استراتيجي؟
في النهاية، يوضح تقارب زوكربيرغ وألتمان من ترامب أن العلاقة بين وادي السيليكون والبيت الأبيض محكومة بالمصالح الاقتصادية أكثر من أي التزامات سياسية ثابتة. فالتكنولوجيا، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي، أصبحت ركيزة في حسابات السلطة الأمريكية، فيما يحاول قادة الشركات موازنة خطواتهم بين الاستفادة من النفوذ الرئاسي وتفادي أن يُنظر إليهم كأدوات في لعبة سياسية سريعة التقلب.



