بول فوت: ثلاث ثوانٍ أنهت 28 سنة اكتئاب – كوميديان يروي لحظة اليقظة التي غيّرت حياته
بين الاعتداء في الطفولة والاكتئاب المزمن، عاش بول فوت في ظلام طويل... حتى لحظة مفاجئة أثناء القيادة قلبت كل شيء، وأطلقت عرضًا كوميديًا يمزج الألم بالضحك.بين الاعتداء في الطفولة والاكتئاب المزمن، عاش بول فوت في ظلام طويل.

بينما كان يقود سيارته في أحد أحياء مانشستر الهادئة، دون سابق إنذار، شعر الكوميديان البريطاني بول فوت بانفجار في وعيه. لا أضواء، لا توقف مفاجئ، لا بكاء، فقط لحظة إدراك داخلي هادئ لكنها غيّرت كل شيء. في الثانية التي وصفها بـ”الاستيقاظ من حلم”، انتهت معاناة امتدت لعقود من الاكتئاب والقلق الحاد.
هذه هي القصة الاستثنائية التي يرويها بول فوت في عرضه الكوميدي “Dissolve”، الذي خرج به إلى النور بعد أن قضى ثلاث سنوات من الفرح الثابت عقب ما يسميه “الحدث”. ولكن ما يجعل قصته أكثر عمقًا ليس فقط التحول المفاجئ، بل أيضًا الرحلة الطويلة المؤلمة التي سبقتها، والخط الرفيع الذي يفصل بين الظلام الداخلي والضوء الذي قد يأتي بلا سابق إنذار.
“لم أكن مصابًا بالاضطراب ثنائي القطب… فقط اكتئاب ساحق”
منذ سنوات مراهقته، عانى بول فوت من حالة اكتئاب خانقة مصحوبة بقلق شديد. لم يكن هناك لحظات فرح متقطعة أو ارتفاعات مزاجية، بل فقط انحدار دائم نحو السواد. كان يرى نفسه “محبوسًا في صندوق زجاجي”، غير قادر على الخروج من سريره أو مواجهة العالم. أصدقاءه حاولوا مساعدته، ومنهم الفنانة روبى واكس التي وجهته لطبيب مختص بالأدوية النفسية.
لكن الاكتئاب لم يكن مجرد حالة مزاجية. بل كان، كما تبين لاحقًا، غطاءً سميكًا أخفى تحته صدمة طفولة لم يكن يتذكرها: حادثة اعتداء جنسي في سن الحادية عشرة، دفنتها ذاكرته بعناية إلى أن بدأت بالظهور خلال جلسات العلاج.
من دواء إلى وعي: طريق طويل إلى الغفران
في عام 2017، وبعد تشخيصه بقلق شديد أدى إلى اكتئاب، بدأ فوت في تناول أدوية مضادة للاكتئاب. ساعدته في استقرار حالته، لكن الاكتشاف الحقيقي لم يأت إلا لاحقًا، حين بدأ يتذكر تفاصيل الاعتداء عليه وهو طفل، وتأكد منها بأدلة معاصرة للأحداث.
كان عليه أن يتعلم كيف يسامح. “99% سامحت”، يقول، لكن ذلك الجزء الصغير من “اللا غفران” ظل يسكنه مثل شظية مؤلمة. وعلى الرغم من إحراز تقدم، فإن الصراع الداخلي لم يكن قد انتهى.
ثلاث ثوانٍ غيرت كل شيء: الانفجار العقلي في مانشستر
في مساء 20 مارس 2022، وبينما كان يقود سيارته نيسان ميكرا في جنوب مانشستر، حدث ما يسميه بول فوت بـ”الحدث”. لم يكن هناك أي مظهر خارجي للتغير، فقط شعور داخلي عميق بأن كل شيء قد اختلف.
“استيقظت فجأة، وكأنني كنت نائمًا طيلة 28 سنة”، قال. لم يعد يرى نفسه كشخص غاضب أو مكتئب. فجأة، شعر بأنه قد غفر لكل من أساء إليه، في الماضي أو المستقبل.
هل ترتبط الكوميديا بالحزن؟ سؤال يؤرق المبدعين
بعد هذا التحول، راود بول فوت شك كبير: هل يمكن أن يبقى مضحكًا دون اكتئاب؟ لطالما ارتبط الإبداع في أذهان البعض بالمعاناة النفسية. لكن خلال رحلة إلى برمودا مع شريكه في الكتابة، لاحظ كلاهما أن “بول الجديد” كان أكثر هدوءًا وثقة.
حتى عندما نسي شريكه مواعيد الرحلة وتأخر بسبب ضعف الشبكة، لم يغضب بول. “هذا أمر طبيعي”، قال بهدوء، وهو شيء لم يكن يتصف به “بول القديم”.
“ديسولف”: عرض يمزج بين السخرية والبوح المؤلم
في عرضه الجديد، “Dissolve”، يمزج بول بين فقرات ساخرة عن توت عنخ آمون والعنصرية، وبين لحظات عميقة من الكشف الشخصي – كذكرى الاعتداء أو الحديث عن صراعاته مع نفسه – والتي لا تثير ضحك الجمهور بل صمتًا ممتلئًا بالإنصات.
في الماضي، كانت الكوميديا لا تتسامح مع الصمت. أما اليوم، فصمت الجمهور قد يكون أعظم تعبير عن التقدير.
النجاح المتأخر: من انتكاسات إلى عبادة جماهيرية
رغم فوزه بجائزة BBC New Comedy في 1997، لم تكن السنوات التالية سهلة. مر بـ13 عامًا من العروض التي لم يُستقبل فيها جمهوره بحماس، وتراكمت عليه الديون، لكنه استمر.
ربما، كما قال شريكه آرون، لم يكن ليستمر في الكوميديا لولا الاكتئاب، لأن إنسانًا سليمًا نفسيًا كان سيتوقف قبل ذلك. لكن بول لم يكن يملك ترف الحفاظ على نفسه.
دعوة للآخرين: الفرح للجميع
اليوم، وبعد 3 سنوات من حالة الفرح الثابت، يرى بول فوت أن سعادته ليست حكرًا عليه. “الفرح موجود للجميع”، يقول وهو يتحدث عن عرضه القادم.
بعد كل ما مر به، لم يعد بحاجة لمعاناة كي يشعر بأنه فنان. لم يعد يرى الفرح عدوًا للإبداع، بل أساسًا له.
من المعاناة إلى البصيرة
قصة بول فوت ليست فقط عن الشفاء، بل عن الإدراك. عن لحظة فارقة بدت بسيطة، لكنها حررته من سجن داخلي دام عقودًا. هي تذكرة نادرة بأن الشفاء ممكن، وأن الفرح ليس وهمًا، بل خيارًا قد يظهر فجأة، في لحظة عابرة، وأنت تقود سيارتك بين ضواحي مدينة لا تتوقع منها شيئًا.