هل تعلم أن المغرب قرر رسميًا عدم إقامة شعيرة ذبح الأضاحي في عيد الأضحى؟
38% انخفاض الماشية منذ 2016 يرفع أسعار الأضاحي بالخليج

أعلنت السلطات المغربية، بتوجيه ملكي من الملك محمد السادس، عن قرار بعدم إقامة شعيرة ذبح الأضاحي في عيد الأضحى المقبل؟ هذا الإعلان أثار تفاعلاً واسعًا في الأوساط الدينية والاجتماعية والاقتصادية، خاصة في ظل الأوضاع البيئية والاقتصادية الحرجة التي تمر بها المملكة.
قرارات ملكية حاسمة بسبب أزمة الماشية والبيئة
في بيان رسمي صدر بتاريخ 27 فبراير 2025، أكّد العاهل المغربي أن “المواطنين يُهيّبون بعدم إقامة شعيرة ذبح الأضاحي هذا العيد”، في إشارة مباشرة إلى الظروف التي دفعت السلطات إلى اتخاذ هذا القرار، الذي يستند إلى رؤية اقتصادية وإنسانية ودينية متكاملة.
انخفاض الماشية بنسبة 38% وارتفاع جنوني في أسعار اللحوم
بحسب تصريحات رسمية من وزير الزراعة المغربي، فإن المملكة شهدت تراجعًا حادًا في أعداد الماشية بنسبة تقارب 38% منذ عام 2016. ويُعزى هذا الانخفاض الكبير إلى موجة جفاف استثنائية ضربت البلاد، حيث تراجعت نسب الأمطار بنسبة 53% مقارنة بمتوسط الثلاثين سنة الماضية، مما أثّر على المراعي والكلأ، ورفع تكاليف تغذية المواشي.
هذا النقص أدى إلى ارتفاع حاد في أسعار اللحوم، حيث وصل سعر الكيلوغرام إلى أكثر من 120 درهمًا، ومن المتوقع أن يتجاوز حاجز 200 درهم بعد العيد، مما ضاعف من أعباء الأسر، خاصة في دول الخليج التي تعتمد على الاستيراد من المغرب في مواسم الأعياد.
استيراد الأغنام من أستراليا لمواجهة الأزمة
في محاولة لاحتواء الأزمة، لجأت الحكومة المغربية إلى “الاستيراد التعويضي”، حيث تم استيراد نحو 100 ألف رأس من الأغنام من أستراليا، مع تقديم إعفاءات جمركية لتسهيل تدفق اللحوم إلى الأسواق. لكن رغم هذه الخطوات، بقيت الأسعار مرتفعة، وسط ندرة واضحة في المعروض، وعزوف شريحة كبيرة من المواطنين عن الشراء.
قرار الملك محمد السادس.. ليس الأول من نوعه في تاريخ المغرب
اللافت أن هذا القرار لم يكن سابقة مطلقة في المغرب، إذ سبق أن اتخذ العاهل الراحل الحسن الثاني قرارات مماثلة في ظروف مشابهة:
- عام 1963: أثناء “حرب الرمال” مع الجزائر، حيث تم توجيه الموارد المالية والعسكرية إلى الجبهة بدلًا من الإنفاق على الأضاحي.
- عام 1981: بسبب أزمة اقتصادية خانقة وجفاف حاد، مع استمرار بعض الأسر في الذبح بشكل سري.
- عام 1996: إثر جفاف شديد أثر على الثروة الحيوانية، مما دفع الملك آنذاك إلى الإعلان عن “أضحية رمزية نيابة عن الشعب المغربي”.
لماذا تم إصدار هذا القرار الآن؟ نظرة على الأهداف الحقيقية
أولًا: الهدف الاقتصادي
القرار جاء لتخفيف الضغط عن المواطنين، ومنح الثروة الحيوانية فرصة للتعافي، وتجنب تفاقم الأزمة الغذائية والمالية التي قد تضر بالمجتمع والاقتصاد الوطني.
ثانيًا: الهدف الديني والشرعي
استند القرار إلى قاعدة فقهية راسخة في الإسلام: “الأضحية سنة مؤكدة مع الاستطاعة”، ما يعني أن التضحية واجبة فقط لمن استطاع. وبالتالي، فإن الظروف الحالية تتيح تيسيرًا شرعيًا، يرى فيه الملك ضرورة استجابة للحاجة والمصلحة العامة.
ثالثًا: الهدف الإنساني
القرار يراعي بشكل خاص الفئات ذات الدخل المحدود، التي تجد نفسها كل عام مضطرة إلى تحمل أعباء مادية كبيرة لمواكبة الاحتفال، حتى وإن كان ذلك على حساب الضروريات.
ردود فعل الشارع المغربي والمجتمع الدولي
لاقى القرار ردود فعل متباينة، لكنها تميل في الغالب إلى الترحيب والتفهم، فقد أشادت أحزاب سياسية مغربية، من بينها حزب التجمع الوطني للأحرار، بالقرار، واصفة إياه بـ”القرار الحكيم”، الذي ينسجم مع مقاصد الشريعة ويؤكد على قيمة التيسير ورفع الحرج.
في تقرير لـBBC، عبّر مواطنون عن ارتياحهم للقرار، معتبرين أنه “يُراعي ظروف الفقراء”، وأحدهم قال: “نتمنى أن يلغى الاحتفال بعيد الأضحى هذا العام… حتى لا يُحرج الفقراء”.
أما على منصة Reddit، فكتب أحد المغاربة باللغة الإنجليزية: “Nobody have to say anything… if you can’t afford a sheep… it’s totally fine.”
وقال آخر: “I think this is a wise decision… Islam teache us to be adaptable.”
ماذا يعني هذا القرار للمستقبل؟
قرار منع ذبح الأضاحي هذا العام يحمل دلالات تتجاوز الظرف الاقتصادي الحالي، فهو دعوة للتفكر في العلاقة بين التقاليد والواقع، وبين الشعائر الدينية والقدرة المالية، وبين ما هو واجب شرعًا وما هو متاح واقعًا.
إن الحفاظ على البيئة، ودعم الاقتصاد الوطني، وتقديم الدعم للفئات الأضعف، كلها أهداف تتماشى مع روح الإسلام في التراحم والتكافل، وهو ما عبّر عنه القرار الملكي في مضمونه.
التوازن بين الدين والحياة
في النهاية، فإن قرار السلطات المغربية والملكية بعدم إقامة شعيرة ذبح الأضاحي في عيد الأضحى 2025 ليس خرقًا للموروث الديني، بل تجسيد لفهم عصري وواقعي للدين في ضوء المعطيات البيئية والاقتصادية.
إنها لحظة لإعادة النظر في مفهوم الأضحية ذاته، ليس كطقس تقليدي فقط، بل كمناسبة لتجديد النية، والتضحية الرمزية من أجل الآخرين، وتقديم ما ينفع الناس، ولو كان ذلك بالصبر والتيسير، لا بالإجبار والمظاهر.