الاقتصاد

“التهديد الأكبر لغسل الأموال”: العملات المشفرة تحت مجهر الرقابة الأوروبية

حرب أوروبية على غسل الأموال: العملات الرقمية في قلب المعركة

في خطوة تعكس حجم القلق الأوروبي المتزايد من توسع أسواق العملات الرقمية، أعلنت رئيسة هيئة مكافحة غسل الأموال الأوروبية الجديدة أن الأصول المشفرة تمثل التهديد الأكبر حالياً أمام جهود مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في القارة. ومع بداية مباشرة الهيئة لصلاحياتها القانونية مطلع يوليو، جاء التحذير كإشارة واضحة إلى أن هذه السوق ستتصدر أولوياتها في السنوات المقبلة، وسط مخاوف من التفاوت التنظيمي بين دول الاتحاد الأوروبي.

 

سوق سريع وعابر للحدود

برونا سيغو، رئيسة الهيئة الأوروبية لمكافحة غسل الأموال (AMLA)، أوضحت أن طبيعة العملات المشفرة العابرة للحدود، وقابليتها للاحتفاظ بها بشكل مجهول، وسرعة تحويلها، تجعلها بيئة مثالية لتدفقات الأموال غير المشروعة. وأضافت أن أوروبا أصبحت وجهة مفضلة لمزودي خدمات الأصول المشفرة الساعين إلى الحصول على تراخيص وفق الإطار التنظيمي الجديد، وهو ما يضاعف من حجم المخاطر.

 

نظام مراقبة جديد لكن غير مكتمل

رغم أن AMLA تأسست في 2023، إلا أنها لم تبدأ رسميًا بصلاحياتها القانونية إلا في الأول من يوليو 2025. وفي بيان صدر هذا الأسبوع، حذرت الهيئة من وجود “اختلافات في مستوى الرقابة” بين الجهات التنظيمية الوطنية في الاتحاد الأوروبي، مؤكدة أن هذا التباين قد يسمح بتسلل الشركات ذات الامتثال الضعيف إلى النظام المالي.

 

هوية المالكين تحت المجهر

أكدت سيغو أن الرقابة لن تقتصر على الشركات نفسها، بل ستشمل “المالكين الفعليين” لمزودي الخدمات، مضيفة: “نريد معرفة من هم المساهمون، وأين هم، والتأكد من أنهم غير منخرطين في أنشطة غسل الأموال أو تمويل الإرهاب”. وتشير هذه الاستراتيجية إلى سعي الهيئة لفرض مستوى شفاف من الحوكمة على هذا القطاع غير التقليدي.

 

قضية “بينانس” تظل نموذجًا تحذيريًا

قضية التحقيق مع منصة “بينانس” العملاقة في فرنسا، بتهم تتعلق بخرق قوانين غسل الأموال الأوروبية، تبقى دليلاً على مدى هشاشة القطاع. ورغم نفي المنصة للاتهامات، فإن الشبهات تحيط بها عالميًا، خاصة بعد استقالة مؤسسها تشانغبينغ تشاو في 2023، وسجنه لاحقًا في الولايات المتحدة، وتغريم الشركة بـ4.3 مليار دولار بسبب إخفاقها في منع غسل الأموال وانتهاكها للعقوبات الدولية.

 

قائمة أولى للرقابة المباشرة تشمل شركات تشفير

أعلنت AMLA أنها ستبدأ من 2028 بمباشرة الرقابة على نحو 40 مؤسسة مالية “الأكثر خطورة”، وأن بعض مزودي خدمات الأصول المشفرة سيكونون ضمن هذه القائمة. خطوة تمثل تحولا نوعيا في تعاطي الاتحاد الأوروبي مع التشفير، وتحوله من المراقبة غير المباشرة إلى الإشراف الميداني على أبرز اللاعبين في السوق.

 

صراع بين مسارين: أوروبا المتشددة وأمريكا المتساهلة

يأتي هذا التوجه الأوروبي الصارم في وقت تسلك فيه الولايات المتحدة – تحت إدارة ترامب – مسارًا أكثر تساهلًا، حيث تم إسقاط عدة قضايا ضد شركات التشفير، ويجري العمل على تشريعات تدمج القطاع في النظام المالي السائد. هذا التناقض في النهج التنظيمي قد يؤدي إلى “تسوق تنظيمي” من قبل الشركات، تبحث فيه عن المناطق ذات الرقابة الأضعف.

 

الهيئة تنمو بسرعة ولكن بحاجة للكوادر

الهيئة الأوروبية الجديدة ما تزال في طور التوسع المؤسسي، حيث لا يتجاوز عدد موظفيها حاليًا 30 شخصًا، لكنها تستهدف رفع العدد إلى 120 بحلول نهاية 2025، و430 موظفًا بحلول 2028. وأكدت سيغو أن عملية التوظيف تستغرق ما بين 6 إلى 9 أشهر، ما يعكس التحديات البشرية والهيكلية أمام الهيئة الفتية.

اقرأ أيضاً ترامب يصعّد تجاريًا.. وروسيا تعزز تحالفاتها شرقًا: العالم أمام موجة اضطرابات جديدة

توحيد الرقابة على المستوى الأوروبي

أشارت الهيئة إلى أن منح التراخيص لمزودي خدمات التشفير يتم حاليًا عبر 27 جهة تنظيمية وطنية، ما يخلق تفاوتًا في معايير التطبيق. ولهذا تعهدت AMLA باستخدام صلاحياتها لمراجعة تلك الجهات والتأكد من أنها تمنح التراخيص فقط للشركات التي تملك أنظمة امتثال فعالة منذ اليوم الأول. كما دعت إلى وجود أشخاص على مستوى مجلس الإدارة في هذه الشركات يفهمون قضايا غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى