مرأة ومنوعات

حين يتحول الأب إلى أسطورة مزيفة: قصة عالم خدع الجميع وابنته تكشف المستور

قصة مثيرة عن عالم شهير بنى مجده على الكذب… وابنته تكشف خيانته العلمية والإنسانية"

 

نشرت صحيفة الجارديان البريطانية تحقيقًا شخصيًّا مؤثرًا كتبته أنيتا تشودهري، يتناول قصة الكاتبة البريطانية جوان بريغز مع والدها مايكل بريغز، الذي طالما عُرف كعالم بارز عمل مع “ناسا” وشركات الأدوية الكبرى. لكن مع مرور الوقت، بدأت تتكشف أمام ابنته، التي تعمل محامية اليوم، طبقات مذهلة من الأكاذيب والتزوير العلمي والهوية المختلقة.

القصة ليست فقط عن أب مضلل، بل عن أسرة عاشت في ظل خيال رجل رسم لنفسه عالمًا مزيفًا صدّقه الآخرون لسنوات، قبل أن تنهار الصورة مع أول مواجهة حقيقية مع الوثائق. رحلة البحث التي بدأت كمشروع كتابة خلال فترة الإغلاق تحوّلت إلى كشف أخطر مما تصورت، وانتهت بكتاب بعنوان العالِم الذي لم يكن هناك.

 

أبٌ يروي حكايات ناسا… وواقع مختلف تمامًا

في طفولتها، نشأت جوان بريغز في بيت يمتلئ بالحكايات العلمية المذهلة التي رواها لها والدها مايكل، الذي زعم أنه عمل في وكالة ناسا، وتعاون مع المخرج ستانلي كوبريك في فيلم “أوديسا الفضاء”، وشارك في أبحاث على سطح المريخ اكتشف من خلالها حياة فضائية. كما أكد حصوله على دكتوراه من جامعة كورنيل وأخرى فخرية من نيوزيلندا. بالنسبة لابنته، كان شخصية خارقة، تتفوق على كل الآباء.

 

الاختفاء الأول: الأب يغادر بلا عودة

لكن هذه الصورة السحرية انهارت عندما كانت في السابعة من عمرها، حين قرر مايكل فجأة مغادرة العائلة والرحيل إلى إفريقيا مع زميلة له، تاركًا خلفه زوجته وأطفاله. ومنذ تلك اللحظة، بدأت جوان في نسج تفسيرات طفولية لغيابه، تقنع نفسها بأن غيابه جزء من مهمته “العظيمة”. كانت تراه كرمز بعيد المنال، حاضر في الخيال، وغائب في الواقع.

زيارة واحدة في السنة… وبداية الشكوك

استمر الوالد في الظهور الغامض مرة كل عام، يصحب الأطفال إلى متاجر هارودز في لندن ويشتري لهم ألعابًا فاخرة، ثم يختفي من جديد. لكن مع تقدم العمر، بدأت جوان تشعر بعدم الارتياح لهذا النمط المربك، وقررت في سن الحادية عشرة التوقف عن لقائه. ولم تره بعد ذلك إلا نادرًا، حتى أخبرها في سن 22 أنه عائد إلى بريطانيا بعد فضيحة إعلامية.

 

العالِم المزيف يتصدر الصحف البريطانية

في عام 1986، نشرت صحف صنداي تايمز ونيوز أوف ذا وورلد تقارير تفضح مايكل بريغز وتصفه بـ”العالِم المزيف”. وكشف الصحفي برايان دير أن بريغز زوّر نتائج أبحاث تتعلق بحبوب منع الحمل لصالح شركات دوائية. وبالرغم من أن نصيبه من التأثير العلمي كان محدودًا، إلا أن حجم الكذب كان صادمًا. لم تنتهِ الصدمة عند هذا الحد، إذ بعد شهرين فقط توفي مايكل فجأة في إسبانيا ودفن دون مراسم توديع حقيقية.

هل كان والدها جاسوسًا؟ نظرية لم تُستبعد

مع تصاعد الأدلة حول الأكاذيب، بدأت جوان تتساءل إن كان والدها قد مات فعلاً أم أنه اختفى من جديد. وكانت هناك نظريات بأن الرجل، الذي عمل في منشآت حكومية حساسة كمختبرات “أعلاف حيوانية” تبين لاحقًا أنها مقرات عسكرية، ربما كان يعمل جاسوسًا لصالح جهات أمنية. لا شيء مؤكد، لكن هذا التفسير بدا أكثر تماسكًا من قصص المريخ والجوائز الوهمية.

 

رسالة من البرلمان وفضائح جديدة بعد عقود

لم تتوقف القصة عند ذلك الحد. في عام 2020، وأثناء مراجعة لتقرير بريطاني حول سلامة الأدوية، فوجئت جوان باسم والدها يتكرر مجددًا. واكتشفت أن إحدى الشركات التي عمل معها كانت موضع مساءلة برلمانية بشأن دواء يُعتقد أنه سبب تشوهات خلقية.

ومع مزيد من البحث، اكتشفت جوان أن والدها لم يحصل على الدكتوراه التي ادعاها، بل كانت أطروحته في الواقع بحثًا لنيل درجة الماجستير فقط.

 

من الخداع إلى التفسير: حين يكتب الابن كتابًا عن والده

في لحظة صدق، بدأت جوان في كتابة قصتها، لتفوز لاحقًا بجائزة “بريدبورت” للأعمال التذكارية. صدر كتابها بعنوان The Scientist Who Wasn’t There، ليصبح وثيقة نفسية وعائلية وإنسانية عن أثر الأكاذيب الأبوية.

ترى في والدها الآن شخصية هاربة، كانت تتحرك من وظيفة إلى أخرى دون جذور، هاربًا من انكشافه، لا باحثًا عن طموح علمي حقيقي.

هل نغفر لمن عاش بالكذب؟ بين الفهم والغفران

رغم كل شيء، لا تحمل جوان ضغينة صريحة تجاه والدها. بل تلجأ إلى مثل فرنسي يقول: “أن تفهم كل شيء يعني أن تغفر كل شيء”. كان والدها يعيش في عالمه، مدفوعًا بخيالات الخيال العلمي، ومهووسًا بإثبات عبقريته بأي وسيلة، حتى لو كانت مزيفة. وهكذا، انتهت حكاية الأب الذي أراد أن يكون كل شيء… حتى لو لم يكن أي شيء حقيقي.

اقرأ ايضا

بالفيديو| تامر حسني «يتنبأ» بكارثة حريق سنترال رمسيس.. مشهد من «ريستارت» يتحول لواقع

ياسمين خليل

ياسمين خليل، حاصلة على ليسانس آداب قسم علوم الاتصال والإعلام، تتمتع بخبرة في إدارة المحتوى والتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب مهاراتها في الإعلام والعلاقات العامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى