أطفال غزة يموتون جوعًا: صرخة في فراغ الصمت الدولي المطبق
صرخة في الفراغ: أطفال غزة يموتون جوعًا أمام صمت عالمي

في عالم تُستخدم فيه العبارات السياسية الرنانة بوفرة، وتُتداول صور الشاحنات المحملة بالمساعدات كدليل على «الاستجابة الدولية»، تموت عشرات الأطفال في غزة بصمت وجوع. المجاعة التي تضرب القطاع ليست كارثة طبيعية ولا نتاج فشل إداري، بل جريمة متعمدة ومخطط لها، كما وصفتها منظمة الصحة العالمية بـ«المجاعة المصنوعة بيد الإنسان». ورغم كل ذلك، تبدو الاحتجاجات والصيحات الغاضبة وكأنها صراخ في فراغ، غير قادرة على زحزحة جدار الصمت الدولي أو كسر قبضة الحصار الإسرائيلي. لكن في لحظة بات فيها كل موت قابلًا للتأجيل، وكل جريمة قابلة للتبرير، يبقى الغضب الشعبي هو الحاجز الأخير بين الاستسلام الكامل والضمير الحي.
الأطفال يموتون أولًا: المجاعة تفتك بالأضعف
الأطفال في غزة ليسوا فقط الأكثر تضررًا من القصف والدمار، بل هم الضحايا الأوائل للمجاعة. أجسادهم الصغيرة لا تحتمل النقص الغذائي، وأجهزتهم المناعية الضعيفة لا تقوى على مقاومة أمراض بسيطة تتحول إلى قاتلة. خلال 72 ساعة فقط، توفي 21 طفلًا بسبب الجوع، والعدد الكلي تجاوز المئة، أكثر من 80 منهم أطفال. أحد عمال الإغاثة نقل عن طفل قال لوالده: “أريد أن أموت وأذهب إلى الجنة… فهناك طعام على الأقل”.
الجوع كسلاح: الحصار كاستراتيجية إبادة
ليست المجاعة مجرد نتيجة جانبية للحرب، بل مرحلة جديدة من حملة تستهدف سكان غزة منذ ما يقرب من عامين. الأطعمة والأدوية تُمنع عمدًا، والتوزيع يُعطَّل حتى حين تدخل المساعدات. حتى «فترات التهدئة التكتيكية» لا تسمن ولا تغني من جوع في ظل تدمير ممنهج للبنية التحتية وتضييق خانق على أي شكل من أشكال الحياة. كل طفل يموت جوعًا كان بالإمكان إنقاذه، وهذا ما يحول الجريمة من تقصير إلى تعمُّد.
كلمات بلا فعل: التواطؤ الغربي في عباءة البيانات
رغم الصور المؤلمة، لا تزال ردود الفعل الغربية في دائرة “القلق” و”الدعوة لضبط النفس”. رئيسة المفوضية الأوروبية وصفت الصور من غزة بـ«غير المحتملة»، لكنها اكتفت بمطالبة إسرائيل بـ«الإيفاء بتعهداتها». مسؤول في أوكسفام وصف هذه التصريحات بأنها «جوفاء» و«محيرة». في المقابل، يتحدث وزراء في حكومة نتنياهو علنًا عن نيتهم «إبادة غزة» و«طرد من تربّى على فكر كتاب كفاحي لهتلر».
لا هدف سوى البقاء: حرب بلا نهاية ولا استراتيجية
اللافت في الحرب الإسرائيلية على غزة أنها تخلو من أي هدف استراتيجي واضح. لا خريطة طريق لهزيمة حماس، ولا رؤية لما بعد القتال. كل ما يجري هو إطالة أمد الحرب لخدمة بقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي سياسيًا. الحرب تحوّلت من ردٍّ على تهديد إلى وسيلة للبقاء، ومن عمل عسكري إلى مشروع وجودي لحكومة متطرفة.
الفجوة تتسع: الجماهير في مواجهة المؤسسات
كلما ازداد عدد الضحايا، وازدادت الجرائم وضوحًا، انكشف الانفصام بين ما تريده الشعوب وما تمارسه الحكومات. الاحتجاجات تزداد، والضغط الشعبي يتصاعد، لكن النخب السياسية لا تزال تمارس لعبة التأجيل، وتواصل رقصتها حول «الخطوط الحمراء» التي تتغير كل مرة. كل مجزرة أو مجاعة تتحول إلى لحظة اختبار، لا تنتهي أبدًا بأي قطيعة حقيقية مع إسرائيل.
الوعد الذي لا يأتي: الاحتواء بدل الردع
كلما اقتربت لحظة الحسم، تعود الأنظمة الغربية إلى استخدام أدوات «التخدير السياسي»: بيانات إدانة، تهديدات بالعقوبات لا تُنفذ، ووعود بمساعدات لا تصل. حتى حين تظهر بعض الشاحنات المحملة بالمساعدات، فهي ليست ثمرة عمل سياسي، بل ثمرة ضغط شعبي مستمر يحاول جاهدًا اختراق جدار اللامبالاة الدولي.
الاحتجاج كأداة مقاومة: حتى لو بدا بلا جدوى
قد يبدو التظاهر ضد مجاعة غزة وكأنه صرخة في صحراء، لكن ما من سبيل آخر لفرض واقع جديد. القليل الذي تحقق من دخول مساعدات كان نتيجة ضغط جماهيري لا سياسي. القوة الأخلاقية للمحتج لا تكمن في فعاليته المباشرة، بل في كونه الضامن الوحيد لاستمرار القضية في الوعي العام.
بين الوهم والخذلان: عجز مؤسسي مقصود
كل مرة يتم الترويج لخطوة رمزية – مثل الاعتراف بدولة فلسطين – يتم تسويقها كـ«نصر رمزي»، بينما تموت الأطفال في مخيمات بلا طعام أو دواء. الغرب لا يسعى لحل، بل لتسكين الأزمة دون تغيير جوهري في ميزان القوة أو سياسات الحصار. وهكذا تُدفن غزة تحت ركام الوعود، كما تُدفن أجساد أطفالها تحت التراب.