الاقتصاد

بلدة الفحم الجنوب إفريقية تنتظر المجهول: الانتقال الأخضر يصطدم بالبطالة والفقر

رغم توقف محطة “كوماتي” لتوليد الطاقة عن العمل منذ عامين، فإن آثار الفحم لا تزال حاضرة في البلدة الصغيرة. وبينما تتحدث الحكومة عن “انتقال عادل للطاقة”، يشعر السكان بأنهم تُركوا دون بدائل حقيقية.

تقف أبراج التبريد والمداخن الخرسانية الضخمة لمحطة “كوماتي” للطاقة في جنوب أفريقيا كأطلال لصناعة انقرضت، لكنها لا تزال تُلقي بظلالها على منازل السكان المنخفضة، رغم توقف المحطة عن حرق الفحم منذ عام 2022 بعد 61 عامًا من التشغيل.

ومع أن شركة “إسكوم” الحكومية للطاقة لم تُسرّح موظفين دائمين عقب الإغلاق، فإن البلدة الواقعة في قلب حزام الفحم الجنوب إفريقي تواجه اليوم واقعًا قاتمًا من البطالة والفقر، في ظل شكوك عميقة حول جدوى “الانتقال العادل للطاقة” الذي تتبناه الحكومة.

في ظهيرة يوم خميس، جلس عشرات من السكان العاطلين – من مختلف الأعمار – على جانب الطريق قبالة المتجر الوحيد في البلدة. تقول بوسيسوي نديبيلي (34 عامًا)، التي فقدت وظيفتها في أحد مناجم الفحم أثناء الحمل في 2022: “نحن فقط نجلس هنا بانتظار أي شيء… ربما تمر سيارة وتطلب عمالًا”. رغم حصولها على تدريبات في كتابة السيرة الذاتية وإدارة الأعمال من شركة “إسكوم”، إلا أنها ترى أن لا مستقبل خارج قطاع الفحم. “كل ما حولنا مناجم فحم… فإذا أُغلقت، لن يبقى أي عمل.”

من الفحم إلى الشمس… ببطء شديد
مفهوم “الانتقال العادل”، الذي نشأ في تسعينيات القرن الماضي على يد النقابي الأمريكي توني ماتزوتشي، كان يهدف إلى حماية العاملين في الصناعات الملوثة من أن يُرموا خارج النظام الاقتصادي. اليوم، أصبح شعارًا عالميًا لخطط خفض الانبعاثات دون سحق المجتمعات التي تعتمد على الوقود الأحفوري.

وتعد جنوب أفريقيا من أكبر الملوثين عالميًا، حيث احتلت المرتبة 15 عالميًا في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون عام 2023. وما يزال الفحم يُشكل 82% من توليد الكهرباء في البلاد – انخفاضًا من 90% عام 2014 – فيما زادت حصة الطاقة الشمسية والرياح إلى نحو 12.5% بعد إصلاحات حكومية عام 2021 فتحت الباب أمام الاستثمار الخاص.

بحلول عام 2050، لن تبقى سوى محطتين من أصل 14 محطة فحم قيد التشغيل الكامل، ضمن خطة جنوب أفريقيا لتحقيق صافي انبعاثات صفرية.

وعود دولية… وتأخر في التنفيذ
في قمة المناخ “كوب26” عام 2021، تعهدت دول مثل المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا بتقديم 8.5 مليار دولار، أغلبها في شكل قروض، لدعم خطة جنوب أفريقيا للانتقال العادل بعيدًا عن الفحم. ومع انضمام جهات مانحة جديدة، ارتفعت التعهدات لاحقًا إلى 12.9 مليار دولار – بينما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق.

لكن، ورغم الطموح، اصطدمت الخطط بالواقع. فمعدل البطالة قفز من 36% عام 2015 إلى 43% اليوم، ويُقدّر أن 400 ألف وظيفة معرضة للخطر في إقليم مبومالانجا وحده، منها 80 ألفًا في قطاع الفحم.

كذلك تحتاج البلاد إلى بنية تحتية جديدة لنقل الكهرباء من مشاريع الطاقة المتجددة التي تتركز في الجنوب الغربي المشمس والرياحي من البلاد. شركة “إسكوم” تخطط لبناء 14,500 كلم من خطوط النقل الجديدة خلال العقد المقبل – أي خمسة أضعاف ما أنجزته في العقد السابق.

ووسط ذلك، أُجبر المسؤولون على تأجيل إغلاق ثلاث محطات فحم من عام 2027 إلى 2030، لتفادي تفاقم أزمة الانقطاعات الكهربائية التي تصل أحيانًا إلى 12 ساعة يوميًا. ويقول وزير الطاقة كغوسينتشو راموكغوبا: “يجب تقديم الفوائد أولًا… لا أن نغلق المحطات ونفكر بعدها كيف نعالج العواقب”.

مشروع كوماتي… بداية بطيئة
رغم تمويل بقيمة 497 مليون دولار (بينها قرض من البنك الدولي ومنحة من كندا)، لم يبدأ تنفيذ مشروع التحول في “كوماتي” فعليًا إلا في منتصف عام 2023. ومن المتوقع أن تنطلق أعمال بناء محطة شمسية بقدرة 72 ميغاواط، مع سعة تخزين بطاريات تصل إلى 150 ميغاواط، في العام المقبل، وتوظف نحو 2,500 عامل، 70% منهم من السكان المحليين، خلال فترة البناء.

لكن بالنسبة للكثيرين، هذا التحول يبدو بعيد المنال. تقول ماريا ماسانغو، التي تعمل مع شاحنات الفحم: “عندما أُغلقت المحطة، شعرت بخيبة أمل. كثيرون فقدوا وظائفهم.” وفي الجانب الآخر من النهر، تعيش عائلات في أكواخ عشوائية، وتعاني من تكرار انهيار الجسر الوحيد الذي يعبره الأطفال للذهاب إلى المدرسة.

أما تسهيبانغ ماتيلا، فتاة في الثالثة والعشرين، فقد عملت في إزالة الأعشاب الضارة كجزء من برنامج تدريبي، ثم أصبحت متدربة في تحليل البيانات. وتقول: “أظن أن كثيرًا من سكان كوماتي بدأوا يتقبلون فكرة الانتقال العادل”.

مع ذلك، تبقى الفجوة بين الواقع والتطلعات كبيرة. تقول بوبّي فينديل، السياسية المحلية ووكيلة العقارات: “نحن بحاجة لعيادة ومدرسة ثانوية. كما نحتاج إلى جسر… صحيح أن الغبار قد زال، لكن معه زالت أرزاقنا.”

نوران الرجال

نوران الرجال باحثة اقتصادية وكاتبة صحفية متخصصة في شؤون النقل البحري والاقتصاد البحري، وتشغل عضوية لجنة النقل البحري بالجمعية العمومية العلمية للنقل. كما تتولى منصب المدير العام لمركز العربي للأبحاث البحرية والاستراتيجية، حيث تسهم في صياغة الرؤى وتقديم الدراسات الداعمة لتطوير قطاع النقل البحري في المنطقة العربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى