اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء في فرنسا: الاستثمارات تلعب دورًا حاسمًا
الفجوة بين الأغنياء والفقراء في فرنسا تتسع مع ارتفاع دخل الأثرياء بدعم الاستثمارات، بينما تتراجع دخول الفقراء. الاستثمار يعمّق اللامساواة، مهددًا التماسك الاجتماعي.

في أحدث تقاريرها حول مستوى المعيشة والفقر في فرنسا لعام 2023، كشفت هيئة الإحصاء الوطنية الفرنسية (Insee) أن الفجوة بين الأغنياء والفقراء تواصل الاتساع، ووصلت إلى أحد أعلى مستوياتها منذ 30 عامًا.
فبينما ارتفعت مستويات دخل الأغنياء، تراجع دخل الفئات الأكثر هشاشة، مما أدى إلى تسجيل أرقام قياسية في مؤشرات عدم المساواة. أحد أبرز هذه المؤشرات هو “معامل الفجوة بين العشر الأعلى والأدنى دخلًا”، الذي بلغ 3.49 في 2023، مقتربًا من الرقم القياسي المسجل عام 2011 (3.58).
الدخول إلى نادي الأغنياء أصبح أكثر صعوبة
المفارقة اللافتة في التقرير هي أن الوصول إلى “الطبقة العليا” أصبح أكثر صعوبة. فقد ارتفع العتبة الدنيا لدخول فئة الـ10% الأكثر ثراءً (ما يُعرف بالدعيل التاسع D9) بنسبة 2.1% بين عامي 2022 و2023، في حين انخفض الحد الأعلى لفئة الـ10% الأفقر (الدعيل الأول D1) بنسبة 1%.
الرسالة واضحة: الأغنياء يبتعدون أكثر فأكثر عن الفقراء، ليس فقط من حيث الرواتب أو المداخيل المباشرة، بل بفضل مصدر آخر مهم: الاستثمارات المالية.
من أين يأتي هذا الثراء الإضافي؟
بحسب Insee، فإن الجزء الأكبر من نمو دخل الأغنياء يعود إلى زيادة في العوائد المالية، مدفوعة بارتفاع أسعار الفائدة، وتحسّن عوائد منتجات مثل التأمين على الحياة وغيرها من الاستثمارات.
وهنا تكمن نقطة التحول: الفجوة لا تتعلق فقط بالدخل، بل بقدرة كل فئة على استثمار أموالها.
فجوة الوصول إلى الأدوات الاستثمارية
تُظهر أرقام 2024 عن “توزيع الثروة في فرنسا” أن:
71% من الفرنسيين يمتلكون دفتر توفير (Livret A) – وهو منتج آمن ومنخفض العائد.
لكن فقط 42% يمتلكون تأمينًا على الحياة، والذي يتيح الوصول إلى استثمارات أعلى عائدًا، منها صناديق الأسهم.
أقل من 2% من الفرنسيين أجروا عملية شراء أو بيع واحدة على الأقل للأسهم خلال 2023، بحسب هيئة الأسواق المالية (AMF).
وهذه الفجوة في إمكانية الوصول إلى الاستثمارات الأكثر ربحًا تعني ببساطة: من لا يمتلك فائضًا ماليًا، لا يمكنه أن يدخل اللعبة من الأساس.
الأسهم: الحصان الرابح… لمن يستطيع تحمل مخاطره
وفق معهد الادخار العقاري والمالي (IEIF)، فإن الأسهم حققت عائدًا سنويًا متوسطًا بلغ 11.8% بين 1984 و2024. لكن هذا السوق المحفوف بالمخاطر يتطلب امتلاك احتياطي مالي آمن أولًا — وهو ما لا يتوفر للكثيرين الذين بالكاد يستطيعون تغطية مصاريفهم الأساسية، فضلًا عن ادخار استثمارات طويلة المدى.
اقرأ أيضاً ألمانيا تختبر لأول مرة قدراتها في الحرب الكهرومغناطيسية الجوية
خلاصة: المال يولّد المال… لكن ليس للجميع
ما تكشفه هذه البيانات هو أن الاستثمار أصبح عاملًا فاصلًا في إعادة إنتاج اللامساواة:
من يمتلك رأس المال يستطيع استثماره والحصول على عوائد عالية.
ومن لا يمتلكه، يبقى محصورًا في أدوات آمنة، ذات عوائد ضعيفة، وأحيانًا متآكلة بفعل التضخم.
في بلد يفخر بمبادئه الاجتماعية والمساواة، تبدو هذه الهوة تهديدًا مباشرًا للنسيج الاقتصادي والاجتماعي الفرنسي.