عربي وعالمي

سباق تحت الماء.. غواصات الصين تشعل منافسة جديدة مع أمريكا

تشهد منطقة المحيطين الهندي والهادئ سباق تسلّح متسارعًا بين الصين والولايات المتحدة، تقوده التكنولوجيا البحرية المتطورة والغواصات الحديثة. فالصين تعمل على تطوير أسطولها البحري بوتيرة لافتة، حيث تسعى إلى امتلاك غواصات أكثر هدوءًا، سرعة، وقدرة على حمل أسلحة متقدمة وأجهزة استشعار عالية الدقة. هذا التحول يضعها في موقع منافسة مباشرة مع واشنطن وحلفائها، الذين يرون في ذلك تهديدًا لأمنهم البحري واستقرار المنطقة. وفي ظل هذه التطورات، يتوقع مراقبون أن تعود الغواصات لتلعب دورًا حاسمًا في النزاعات المحتملة، خصوصًا مع تصاعد التوتر حول تايوان وبحر الصين الجنوبي، حيث قد يتحدد ميزان القوى تحت الماء.

 

التطوير السريع لأسطول الصين

 

تشير صحيفة وول ستريت جورنال إلى أن الصين باتت قريبة من إحداث نقلة نوعية في قدراتها البحرية، إذ باتت غواصاتها أكثر هدوءًا وتطورًا مقارنة بالماضي. فقد ركزت بكين سابقًا على الغواصات التقليدية العاملة بالديزل والكهرباء، لكن التوجه الحالي يقوم على إدخال تقنيات الدفع النووي والتقنيات المستقلة عن الهواء. كما أظهرت الصين اهتمامًا كبيرًا بالابتكار عبر تطوير غواصات هجومية جديدة وطائرات مسيرة تحت الماء، بعضها قادر على أداء أدوار مزدوجة كالغواصة والطوربيد الذاتي. هذا التنوع في المشاريع يعكس طموح بكين في فرض وجود قوي ومستدام في أعماق المحيطات.

 

التحديات أمام الولايات المتحدة وحلفائها

 

رغم تفوق واشنطن التكنولوجي، إلا أنها تواجه صعوبات في الحفاظ على وتيرة بناء غواصات جديدة لمواكبة الصين. فبرنامج “أوكوس” الذي وُقع عام 2021 بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا يهدف لتعزيز القدرات البحرية، لكنه يصطدم بتحديات الإنتاج والجدول الزمني. فالغواصات النووية الأمريكية المتطورة من فئة “فرجينيا” تحتاج إلى سنوات للبناء والصيانة، ما يحد من الجاهزية العملياتية. وقد كشف تقرير للكونجرس أن نسبة كبيرة من الغواصات الأمريكية كانت خارج الخدمة في 2023، وهو ما يقلل من فعالية الردع في مواجهة التوسع الصيني.

 

مواجهة محتملة حول تايوان

 

يرى خبراء أن أي تصعيد عسكري بين الصين وتايوان سيضع الغواصات في قلب المعركة. فمن المرجح أن تستخدم بكين غواصاتها التقليدية لحماية سواحلها، بينما تحاول غواصاتها النووية منع تدخل القوات الأمريكية. في المقابل، ستسعى واشنطن لاعتراض السفن الصينية وضرب أهداف برية عبر صواريخ تُطلق من غواصاتها، إضافة إلى فرض حصار بحري في مضيق تايوان. هذا السيناريو المحتمل يعكس الأهمية المتزايدة للغواصات كأداة عسكرية قادرة على تغيير موازين القوى دون الحاجة إلى حشود ضخمة من القوات أو المعدات المكشوفة.

 

التفوق الصناعي الصيني

 

من الناحية الصناعية، تمتلك الصين قدرة هائلة على بناء السفن، وهي اليوم صاحبة أكبر أسطول بحري من حيث العدد. وتكثّف بكين جهودها في بناء الغواصات التقليدية الأقل تكلفة والأسرع إنتاجًا مقارنة بالنووية. ورغم أن هذه الغواصات أضعف في endurance، إلا أن الكثرة العددية تمنح الصين ميزة استراتيجية. في المقابل، تعاني الولايات المتحدة من بطء في بناء الغواصات الجديدة، إذ لن تدخل غواصات “كولومبيا” للصواريخ الباليستية الخدمة قبل 2029، بينما لن تبدأ الغواصات الهجومية الجديدة قبل أربعينيات هذا القرن، ما يمنح الصين هامشًا للتقدم.

اقرأ أيضاً

مصر لمجلس الأمن: رفض قاطع للهيمنة الإثيوبية على مياه النيل

مستقبل التوازن البحري بين واشنطن وبكين

توضح المعطيات أن سباق الغواصات بين الصين والولايات المتحدة لم يعد مجرد منافسة تقنية، بل صراع استراتيجي على النفوذ البحري في آسيا. فبينما تسعى بكين إلى توسيع حضورها في أعماق المحيطات مستفيدة من قوتها الصناعية، تعمل واشنطن وحلفاؤها على تعزيز ترساناتهم رغم التحديات. ورغم تفوق الولايات المتحدة تكنولوجيًا، إلا أن سرعة التوسع الصيني تثير القلق بشأن توازن القوى في السنوات المقبلة، ما ينذر بمرحلة جديدة من التوتر البحري قد تعيد رسم ملامح الأمن في المنطقة.

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى