
أعلنت شركة أبل عن تقاعد مدير العمليات التنفيذي، جيف ويليامز، نهاية العام الجاري، بعد 27 عامًا من العمل داخل الشركة العملاقة. ورغم أن السبب المُعلن يرتبط برغبته في قضاء مزيد من الوقت مع أسرته، فإن التوقيت، وخلفيته المهنية، وكذلك هوية خليفته، تكشف عن أزمة أعمق تواجه الشركة.
ويليامز، الذي لطالما اعتُبر الخليفة المحتمل للرئيس التنفيذي الحالي، تيم كوك، كان من أبرز أعمدة الإدارة، بخبرة طويلة في إدارة سلاسل التوريد والتشغيل. اختياره للخروج الآن، وتسليم دفة العمليات إلى صبيه خان، وهو أيضًا من رجالات كوك المقربين، يطرح تساؤلات جدية حول مستقبل القيادة في أبل.
أزمة التجديد القيادي: وجوه قديمة في مواقع جديدة
خلف ويليامز، يتولى خان المسؤولية. ورغم خبرته العريقة في الشركة منذ تسعينيات القرن الماضي، فإن تعيينه يُعد امتدادًا للنهج التقليدي الحالي، دون تجديد حقيقي في الدماء القيادية. في الوقت الذي تواجه فيه أبل تحديات وجودية حقيقية، تبدو قيادتها في حاجة ماسة إلى رؤية مختلفة وجريئة، تشبه تلك التي ميّزت عهد الراحل ستيف جوبز.
التحديات الكبرى: من الذكاء الاصطناعي إلى الحرب التجارية
تواجه أبل اليوم مجموعة من الأزمات المتشابكة:
المنافسة في الذكاء الاصطناعي: بعد إطلاقها خدمة “Apple Intelligence” بتوقعات مرتفعة، اضطرت الشركة مؤخرًا إلى الاعتراف بأن تقنياتها لا ترقى للمستوى المطلوب، وبدأت البحث عن شراكات خارجية، ما يُظهر تأخرها عن المنافسين مثل مايكروسوفت وجوجل.
أزمة المنتجات: رغم كثرة الأجهزة، إلا أن الابتكار تراجع. تشكيلة الآيفون لم تتغير جوهريًا منذ سنوات، وسماعة الواقع المعزز “Vision Pro” لم تحقق النجاح المتوقع، بل وُصفت بأنها منتج باهظ وفاشل تجاريًا.
ضغوط الاحتكار والضرائب: تواجه أبل دعاوى قانونية متزايدة في أوروبا والولايات المتحدة بسبب ترتيباتها مع جوجل، وتحديدًا صفقة الـ20 مليار دولار السنوية التي تدفعها الأخيرة لضمان بقائها محرك البحث الافتراضي.
الاعتماد على الصين في التصنيع: رغم محاولات تحويل التصنيع إلى الهند وفيتنام، إلا أن الجزء الأكبر من منتجات أبل لا يزال يُصنع في الصين، وهو ما يضعها في مرمى الحرب التجارية الجديدة التي يتبناها الرئيس الأميركي الحالي، دونالد ترامب، في فترة ولايته الثانية.
من يحتاجه أبل؟ لا يشبه كوك… ولا جوبز
لا أحد ينكر أن تيم كوك نجح في تحويل أبل إلى شركة بثلاثة تريليونات دولار، ورفع عدد موظفيها إلى أكثر من 150 ألفًا. لكن المرحلة القادمة تتطلب قائدًا يختلف جوهريًا عن كوك كما اختلف كوك نفسه عن جوبز.
فالأول جسّد الابتكار الجامح، والثاني أتقن الانضباط والعمليات، أما المرحلة المقبلة، فتتطلب من يقود ثورة استراتيجية جديدة: يعيد لأبل مكانتها كمصدر للإبداع، لا مجرد آلة لصناعة الأجهزة المتكررة.
أبل بحاجة إلى “رؤية ثالثة”
منذ وفاة ستيف جوبز عام 2011، أثبت كوك أنه الرجل المناسب للمرحلة التالية. لكن اليوم، يبدو أن أبل بحاجة إلى من يكون مختلفًا بقدر ما كان كوك مختلفًا عن جوبز. فالنجاح الماضي لا يضمن مستقبلًا مشرقًا، والابتكار لا يُورث، بل يُخلق من جديد.
ما تحتاجه أبل ليس إعادة ترتيب للمقاعد، بل تجديد حقيقي في الرؤية والقيادة.