معركة الحقوق الفكرية تتصاعد: ناشرون يابانيون يقاضون محرك البحث الذكي perplexity

في خطوة تعكس تصاعد المواجهة العالمية بين المؤسسات الإعلامية وشركات الذكاء الاصطناعي، أعلنت مجموعتان إعلاميتان من كبرى المؤسسات الصحفية اليابانية – مجموعة “نيكي” (Nikkei) المالكة لصحيفة فايننشال تايمز، وصحيفة أساهي شيمبون (Asahi Shimbun) – رفع دعوى قضائية ضد محرك البحث الذكي Perplexity AI، متهمين إياه بالاعتداء على حقوق النشر واستغلال المحتوى الصحفي دون إذن.
الخطوة تأتي ضمن موجة أوسع من التحركات القانونية التي يقودها ناشرون حول العالم ضد منصات الذكاء الاصطناعي، في ظل تزايد الاعتماد على هذه التقنيات للحصول على المعلومات على حساب المؤسسات الصحفية التقليدية.
تفاصيل الدعوى: نسخ وتخزين غير مشروع للمحتوى
أوضحت المجموعتان في بيان مشترك أن Perplexity قام بـ”نسخ وتخزين محتوى مقالات صحفية من خوادم نيكي وأساهي دون الحصول على إذن، متجاهلاً تدابير تقنية وضعتها المؤسستان لمنع هذا النوع من الوصول”.
وأضاف البيان أن الإجابات التي يقدمها المحرك أحياناً تحتوي على معلومات غير دقيقة، لكنها تُنسب خطأً إلى مقالات الصحف، الأمر الذي يضر بمصداقيتها ويهدد ثقة الجمهور.
وطالبت المؤسستان القضائية بـ:
تعويضات مالية تصل إلى 2.2 مليار ين ياباني (نحو 15 مليون دولار) لكل مؤسسة.
إلزام Perplexity بحذف المقالات المخزنة من خوادمه فوراً.
اتهامات بـ”الركوب المجاني” على جهد الصحفيين
وصفت مجموعة نيكي في بيانها ما يحدث بأنه “ركوب مجاني واسع النطاق” على جهود الصحفيين، مضيفة:
“عمل الصحفيين في جمع الحقائق وصياغتها يتطلب وقتاً وجهداً هائلين، بينما تستفيد المنصات التقنية من هذا الجهد دون أي تعويض مادي”.
وأكد البيان أن استمرار هذا الوضع “يهدد أساس مهنة الصحافة القائمة على نقل الحقائق بدقة”.
رد Perplexity الغائب
حتى لحظة نشر التقارير، لم تصدر شركة Perplexity تعليقاً رسمياً على الاتهامات.
يُذكر أن الشركة، التي تعتمد على نماذج لغوية ضخمة مطورة من منصات مثل OpenAI وAnthropic، تقدم إجابات للمستخدمين تتضمن مصادر ومراجع، لكن آلية جمع هذه المعلومات وطرق التعامل مع حقوق النشر باتت مثار جدل عالمي.
سياق دولي: قضايا مماثلة في الغرب
لا تعد هذه القضية معزولة، إذ سبقتها خطوات مماثلة من ناشرين في الغرب:
صحيفة “يوميوري” اليابانية رفعت دعوى مشابهة في وقت سابق من هذا العام.
صحيفة نيويورك تايمز وناشرون كبار مثل Condé Nast وDow Jones طالبوا بإيقاف استغلال مقالاتهم في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي.
هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) أرسلت خطاب “وقف وان desist” إلى Perplexity، تحذر فيه من استخدام محتواها دون اتفاقيات ترخيص.
ثغرات قانونية: هل يسمح القانون الياباني باستخدام الأعمال الصحفية للتدريب؟
يشير خبراء القانون إلى أن الدعوى ستختبر مدى صلابة الإطار القانوني الياباني في هذا المجال. يقول كينساكو فوكوي، الخبير في حقوق النشر من مكتب “كوتو دوري” للمحاماة بطوكيو:
“قانون حقوق النشر في اليابان متسامح نسبياً فيما يتعلق باستخدام الأعمال المحمية في تدريب الذكاء الاصطناعي، لكنه يضع قيوداً واضحة عند إعادة نشر أو تخزين المحتوى لأغراض تجارية دون إذن”.
ويضيف أن مثل هذه القضايا ستكون “اختبارات قضائية حاسمة” ستحدد مستقبل العلاقة بين الإعلام والذكاء الاصطناعي في اليابان.
محاولات للتهدئة: شراكات جديدة مع الناشرين
رغم موجة الدعاوى القضائية، بدأت Perplexity بالفعل عقد اتفاقيات مشاركة أرباح مع بعض الناشرين العالميين مثل Time وFortune وDer Spiegel. وبموجب هذه الاتفاقيات، يحصل الناشرون على عوائد مالية عند الاستشهاد بمحتواهم في إجابات المنصة.
لكن شركات إعلامية أخرى ترى أن هذه الخطوة غير كافية، خاصة وأن Perplexity تعتمد بشكل أساسي على اشتراكات المستخدمين كمصدر رئيسي للإيرادات، وتستفيد من المحتوى الصحفي دون مقابل في حالات كثيرة.
أزمة ثقة: الإعلام في مواجهة الذكاء الاصطناعي
يرى خبراء الإعلام أن الصراع لا يتعلق فقط بحقوق الملكية الفكرية، بل أيضاً بمستقبل الصحافة. فمع توسع استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التي تقدم المعلومات مجاناً، يتراجع عدد القراء الذين يزورون المواقع الإخبارية أو يشتركون في الصحف الرقمية، مما يهدد النموذج الاقتصادي التقليدي للصحافة.
وتشير التقديرات إلى أن لدى Perplexity أكثر من 30 مليون مستخدم حول العالم، معظمهم في الولايات المتحدة، ما يجعلها لاعباً رئيسياً في سوق البحث الذكي المنافس لجوجل وبينغ.
الخلاصة: معركة لم تُحسم بعد
القضية المرفوعة من قبل نيكي وأساهي ضد Perplexity ليست مجرد نزاع قانوني محدود، بل جزء من معركة أوسع حول ملكية المعرفة في العصر الرقمي.
فبينما تسعى شركات الذكاء الاصطناعي للاستفادة من المحتوى الضخم المتاح على الإنترنت لتطوير خدماتها، يتمسك الناشرون بحقوقهم، مؤكدين أن الصحافة ليست مادة خام مجانية، بل نتاج جهد بشري يجب احترامه وتعويضه.
وبانتظار حكم المحاكم اليابانية، يبقى السؤال مطروحاً: هل ستقود هذه القضايا إلى تسوية شاملة عبر اتفاقيات ترخيص عادلة، أم أن المعركة ستتجه نحو صدام طويل يغير ملامح العلاقة بين الإعلام والتقنية؟