سباق عالمي لإيجاد حلول مبتكرة لإعادة تدوير شفرات توربينات الرياح القديمة

تتصدر طاقة الرياح قائمة مصادر الطاقة المتجددة التي تراهن عليها الدول لتحقيق أهدافها المناخية وخفض الانبعاثات الكربونية. غير أن هذا القطاع الذي يُنظر إليه باعتباره رمزًا للطاقة النظيفة، يواجه اليوم معضلة بيئية متنامية تهدد استدامته، وهي مشكلة التخلص من شفرات التوربينات القديمة. هذه الشفرات، المصنوعة من مواد متينة مثل ألياف الكربون والراتنجات، لا تتحلل بسهولة ولا يمكن التخلص منها بالطرق التقليدية كالحرق أو الدفن، ما يفتح الباب أمام أزمة نفايات قد تصل إلى مئات الآلاف من الأطنان عالميًا خلال العقود المقبلة. وفي ظل هذا التحدي، دخلت الحكومات وشركات الطاقة ورواد الأعمال في سباق عالمي لتطوير حلول مبتكرة قائمة على مبادئ الاقتصاد الدائري، بما يضمن استمرار طاقة الرياح كخيار استراتيجي في معركة التحول الأخضر.
شفرات عملاقة تتحول إلى أزمة بيئية صامتة
في مستودع قديم بمدينة إيرفاين الساحلية بأسكتلندا، ترقد نحو 80 شفرة من أقدم توربينات الرياح في بريطانيا، بانتظار حل بيئي مبتكر. هذه الشفرات التي كانت يومًا تعلو 55 مترًا فوق تلال لاناركشاير لتوليد الكهرباء النظيفة، أصبحت اليوم تمثل تحديًا بيئيًا جديدًا لصناعة الطاقة الخضراء.
مكونات سهلة التدوير مقابل شفرات مستعصية
بينما يمكن إعادة تدوير ما يقرب من 90% من مكونات التوربينات مثل الفولاذ والمعادن، تظل الشفرات المصنوعة من ألياف الكربون والراتنجات الأصعب في المعالجة. صلابتها ومتانتها تجعلها غير قابلة للتحلل بسهولة، ما يزيد من صعوبة التخلص منها بطرق آمنة.
أوروبا على موعد مع 60 ألف طن من النفايات بحلول 2030
تقديرات الاتحاد الأوروبي تشير إلى أن القارة ستفكك نحو 14 ألف توربين بحلول عام 2030، ما سينتج عنه ما بين 40 و60 ألف طن من نفايات الشفرات. وحدها ألمانيا ستنتج أكثر من 23 ألف طن، وهو ما يضع القارة أمام تحدٍ بيئي ضخم.
الولايات المتحدة في مواجهة جبل من النفايات بحلول 2050
في الولايات المتحدة، تتضاعف الأزمة المحتملة مع توقع وصول النفايات السنوية من الشفرات إلى ما بين 200 ألف و370 ألف طن بحلول عام 2050، مع انتهاء العمر الافتراضي لمشروعات الرياح العملاقة. بالفعل، بعض الشفرات القديمة انتهى بها المطاف في مكبات النفايات، ما أثار الجدل حول استدامة هذا القطاع.
الجدل السياسي يشتعل حول مستقبل طاقة الرياح
خصوم طاقة الرياح لم يفوتوا الفرصة للتشكيك في جدوى التقنية، إذ صرح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بأن الشفرات “تصدأ وتتعفن سريعًا ولا يمكن التخلص منها بالحرق أو الدفن”. لكن خبراء الصناعة وصفوا هذه المزاعم بالمضللة، مؤكدين أن الحل يكمن في تطوير سلاسل إعادة التدوير لا في دفن المشكلة.
من المظلات إلى محطات الشحن: حلول مبتكرة قيد التجربة
رواد الأعمال حولوا بعض الشفرات المستهلكة إلى مظلات لمحطات شحن السيارات الكهربائية أو مآوٍ للدراجات والحافلات. ورغم أن هذه المبادرات لاقت ترحيبًا، إلا أنها تبقى محدودة الأثر أمام الكم الهائل من النفايات المتوقع في السنوات المقبلة.
إيبردرولا الإسبانية تقود ثورة مصانع التدوير
أعلنت شركة “إيبردرولا” الإسبانية مؤخرًا عن إنشاء مصنع متخصص لإعادة تدوير شفرات التوربينات بطاقة تصل إلى 10 آلاف طن سنويًا، وهو ما يعادل سدس النفايات المتوقعة في أوروبا بحلول 2030. ويهدف المصنع إلى استخراج الألياف والراتنجات لإعادة استخدامها في صناعات السيارات والطيران والإنشاءات.
شركات الطاقة الكبرى ترفع شعار: لا لدفن الشفرات
شركات كبرى مثل ScottishPower وØrsted الدنماركية أعلنت تعهدها بعدم دفن الشفرات المستهلكة في مكبات النفايات. بعضها اختار التخزين المؤقت لحين إيجاد حلول قابلة للتطبيق تجاريًا وبيئيًا، مؤكدين أن مستقبل طاقة الرياح يعتمد على تطوير شفرات يسهل إعادة تدويرها.
إطالة عمر التوربينات… استراتيجية لتأجيل الأزمة
في بريطانيا، يعمل “معهد ابتكار الطاقة البحرية” ORE Catapult على دراسة إمكانيات إطالة عمر شفرات التوربينات بنسبة قد تصل إلى 50%. هذا التوجه يمنح الصناعة وقتًا إضافيًا لتطوير حلول دائمة تقلل الحاجة إلى إعادة التدوير السريع.
السباق مستمر بين التحديات والفرص
بينما تنتظر شفرات “هاغشو هيل” القديمة مصيرها في مستودعات أيرشاير، يبقى السباق مفتوحًا بين شركات الطاقة، الحكومات ورواد الأعمال لإيجاد حل جذري. نجاح هذه الجهود سيحدد ما إذا كانت طاقة الرياح ستبقى في صدارة التحول الأخضر أم ستتعثر أمام تحدياتها البيئية الخاصة.