الخوف كأداة حكم: تحالف ترمب وبوكيله لتصدير الدولة القمعية
السجون كسياسة خارجية: كيف تتحول أميركا إلى شريك في قمع دولي؟

وجد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في السلفادور نموذجًا جاهزًا للدولة القمعية التي يسعى لتطبيقها، مستلهمًا أسلوب الرئيس نجيب بوكيله، الذي بنى نظامًا يعتمد على السيطرة الأمنية المطلقة، وتقويض الحريات، وتهميش السلطة القضائية. تحت ذريعة محاربة الجريمة، رسّخ بوكيله حالة استثناء دائمة، وشيّد ما يُعرف بـ”المدينة السجنية”، التي باتت ترمز لنهج يعتمد على التخويف أكثر من سيادة القانون. حسب ما جاء فى الجارديان
ترمب، الذي طالما روّج لحلول متطرفة لمشكلة الهجرة، رأى في هذا النموذج وسيلة فعّالة لتبرير سياسات قمعية داخل وخارج حدود الولايات المتحدة. ومع تصاعد التعاون بين الطرفين، تظهر ملامح تحالف يهدف إلى تدويل نموذج الدولة الأمنية، حيث تُدار عمليات الترحيل والاحتجاز خارج الأطر القانونية التقليدية، وتُسند المهام القذرة لشركاء أجانب.
ما يجمع الزعيمين ليس فقط العداء للمؤسسات الديمقراطية، بل الفهم المشترك بأن الخوف، حين يُوظّف بذكاء، يمكن أن يتحول إلى أداة فعالة لبناء نظام سلطوي طويل الأمد.
السجن كمؤسسة سياسية
في قلب هذا النموذج، يبرز “مركز احتجاز الإرهابيين” أو سجن سيكوت، كرمز لسياسة القبضة الحديدية التي يتبعها بوكيله. هذا السجن، الذي يوصف بـ”التحفة الأمنية”، لا يُستخدم فقط لمحاربة العصابات، بل أيضًا لإسكات المعارضين السياسيين. كما بات يمثل محطة محورية في شبكة ترحيل المهاجرين الأمريكيين، التي تربط بين قواعد عسكرية أمريكية، ومناطق عبور في أمريكا الوسطى، وصولًا إلى منشآت احتجاز شبه سرّية.
تصدير القمع.. عبر الحدود
زيارة بوكيله الأخيرة إلى واشنطن – حيث دعاه ترمب لبناء المزيد من السجون مقابل استقباله لمجرمين من أصول أمريكية لاتينية – كانت بمثابة إعلان عن تدويل “منهج بوكيله”. فالسلفادور تعيش تحت “حالة استثناء” منذ ثلاث سنوات، جرى خلالها تعليق الحقوق الدستورية، في ظل صمت دولي متصاعد أمام تمديد مستمر من قبل برلمان موالٍ بالكامل للرئيس.
رغم الانخفاض الحاد في معدلات الجريمة وفق البيانات الرسمية، إلا أن الثمن الإنساني باهظ. فالسلفادور باتت تتصدر العالم في معدلات السجن، وسط تقارير موثّقة عن التعذيب والانتهاكات، حتى بحق الأطفال.
نسخة ترمب من المنهج
ما أدركه ترمب – على نحو غريزي ربما أن نجاح المنهج لا يكمن فقط في الإجراءات، بل في الهجوم المتواصل على سيادة القانون. إنه عرض مستمر يظهر للرأي العام أن “ثمة ما يُفعل”، حتى وإن تم خارج حدود العدالة. فكما تفاوض بوكيله مع زعماء العصابات سرًّا، يفاوض ترمب الدول والمؤسسات ليبني دولة قمعية عبر الوكالة: ترحيلات تُديرها شركات خاصة، قواعد عسكرية خارج الرقابة، وصفقات مع حكومات مستعدة لاستضافة ما لا تستطيع المحاكم الأمريكية استيعابه قانونيًا.
النموذج في التطبيق
قضية كيلمير آبريغو غارسيا، المواطن السلفادوري الذي رحّل عن طريق الخطأ واحتُجز دون محاكمة، تسلط الضوء على مأساة هذا النموذج. كلا الزعيمين أنكر مسؤوليته عن احتجازه، فيما الحقيقة أن هذه الحوادث ليست استثناءً، بل جزء مكوّن من الاستراتيجية، هدفها زرع الرعب.
وتكررت هذه الحوادث: اعتقال عائلة فنزويلية أمام أطفالهم في واشنطن، واحتجاز طالبة تركية بسبب مقال رأي، أمثلة على سياسة ممنهجة لكسر المعنويات وردع النقد، تُمارَس بأدوات شبه بوليسية وتحت غطاء قانوني هش.
نظام الخوف الجديد
ما فهمه كل من بوكيله وترمب هو أن الخوف لا يقتل المعارضة فقط، بل يُقيم نظامًا جديدًا. ففي ظل الخوف، يسهل نزع الشرعية عن أي صوت ناقد، وتصنيف أي معارض كإرهابي. حالة الاستثناء، التي كان يُفترض أن تكون مؤقتة، أصبحت القاعدة.
ويبقى التساؤل مفتوحًا: هل ستصمد المؤسسات الأمريكية أمام هذا التهديد؟ أم أننا نشهد إعادة تصدير لأدوات الديكتاتورية عبر الحدود، في صورة أكثر تنظيمًا ودهاءً؟