عربي وعالمي

الشجاعة الغائبة في زمن الخوف: من زيلينسكي إلى صمت القادة الجبناء

حين يصبح قول الحقيقة عملاً نادراً ويغيب الشرف عن مواقع السلطة

 

قال الفيلسوف الفرنسي والزعيم الاشتراكي جان جوريس عام 1903 أمام مجموعة من طلاب المدارس الثانوية: “الشجاعة هي السعي وراء الحقيقة وقولها”. وأضاف: “الشجاعة تعني عدم الاستسلام لقانون الكذب المنتصر، وعدم ترديد التصفيق الأجوف أو الهتافات الهستيرية”.

ثمن الشجاعة: حياة جوريس مثالًا

عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، رفض جوريس موجة الحماسة الوطنية العمياء، وسعى إلى تنظيم إضراب عام فرنسي–ألماني لإيقاف الحرب. لكن دعوته للسلام كلفته حياته؛ فقد اغتيل عام 1914 على يد قومي فرنسي لم يتجاوز التاسعة والعشرين من عمره.

الشجاعة في صفوف الناس العاديين

اليوم، تبدو الشجاعة متجذرة بين الناس العاديين: من أطباء وعاملين إنسانيين يخاطرون بحياتهم في مناطق النزاع، إلى روميصة أوزتورك، طالبة الدكتوراه التي اعتُقلت في أمريكا لمجرد احتجاجها على قصف غزة، وصولاً إلى الإسرائيليين الرافضين للخدمة العسكرية، والمتظاهرين في تبليسي وبلغراد وإسطنبول الذين يواجهون القمع بشجاعة متكررة.

غياب الشجاعة في مواقع السلطة

لكن حين نلتفت إلى من هم في مراكز القرار، يصبح الحديث عن الشجاعة نادرًا. هناك استثناءات بالطبع، أبرزها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي لم يتراجع عن مواقفه رغم التحديات. وكذلك البابا فرنسيس، الذي مضى قدمًا في إصلاح الكنيسة الكاثوليكية رغم مقاومة التغيير وغياب النتائج الفورية.

أمثلة صارخة على الجبن السياسي

في المقابل، نشهد نماذج مخزية للجبن السياسي: من قضاة المحكمة العليا الذين يشرّعون لرئاسة لا تخضع للمساءلة، إلى مكاتب محاماة تدعم إدارة تتجاوز سيادة القانون، ومديرين تنفيذيين يلغون برامج الإنصاف لإرضاء من يلوح بالانتقام، ومشرعين يتخلون عن مبادئهم فرارًا من المخاطرة السياسية، كما عبّرت السيناتورة ليزا موركوفسكي بوضوح: “كلنا خائفون، لأن الانتقام حقيقي”.

أفول الخطاب الأخلاقي في الحياة العامة

أصبح من الغريب أن يُطرح سؤال مثل: “من يتصرف بشرف؟” أو “ما هو القرار العادل؟” في المجال العام. متى قبلنا أن يكون القادة بلا قيادة؟ هل أصبح غياب الأخلاق أمرًا طبيعيًا في السياسة والمجتمع؟

هارفارد كمثال على التناقض المؤسسي

اتخذت جامعة هارفارد موقفًا شجاعًا برفض ضغوط إدارة ترامب، مما ألهم جامعات أخرى لفعل المثل. لكن السؤال الأعمق هو: ما القيم التي تُزرع في طلابها؟ نصف خريجيها يتجهون نحو البنوك والشركات، وأغلبهم يفضل “الثراء المالي” على تطوير “فلسفة حياة ذات مغزى”، بحسب صحيفة “كريمسون”.

فقدان البوصلة الأخلاقية في عصر السوق

حين يصبح النجاح مرادفًا للتراكم – مالًا أو شهرة أو نفوذًا – نفقد مرجعيتنا الأخلاقية. كما كتب بانكاج ميشرا في “عصر الغضب”، فإن المجتمع التجاري الحديث أنتج أفرادًا منفصلين عن بعضهم البعض وعن أي نسيج اجتماعي مشترك.

ضرورة العودة إلى الفضيلة الأخلاقية

رغم أن الحديث عن “الفضيلة” قد يُعد تقليديًا أو محافظًا، إلا أنه ضروري. في عالم بلا خجل من النفاق ولا حياء من الجشع، تصبح الحقيقة أمرًا نسبيًا، ويُتاح لأغنى رجل في العالم اتخاذ قرارات تؤدي إلى موت الآلاف دون أن يُحاسب – مع أن ما فعله شرّ محض.

الإعلام ومسؤوليته الأخلاقية

يتحمل الإعلام، خصوصًا الأمريكي، مسؤولية كبيرة؛ إذ يُختزل الخطاب السياسي في لعبة أرقام ومؤشرات: من يتقدم؟ من يتراجع؟ كيف تؤثر القضايا على الانتخابات؟ ونادرًا ما يُطرح السؤال الأهم: “هل هذا القرار صائب؟ هل هو شجاع؟ هل هو عادل؟”

الخلاصه: الحاجة إلى شجاعة الحقيقة

ما نحتاجه اليوم هو استعادة اللغة الأخلاقية الأصيلة، شجاعة قول الحقيقة كما دعا جوريس، وقيادة لا تُقاس بشعبية لحظية بل بمدى الالتزام بما هو صواب. فالسؤال الحقيقي لم يعد: “ماذا نريد؟” بل

: “هل هذا ما ينبغي أن نريده؟”

علياء حسن

علياء حسن صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى