الذكاء الاصطناعي والانتخابات: بين التمكين والتلاعب
الذكاء الاصطناعي يغير قواعد اللعبة الانتخابية

شهد العالم في 2024 موجة انتخابية غير مسبوقة وُصفت بأنها الأولى في “عصر الذكاء الاصطناعي”. هذا التطور أثار جدلاً واسعًا بين من يرى فيه تهديدًا ديمقراطيًا عبر إنتاج فيديوهات مزيفة ورسائل دعائية مولّدة آليًا، ومن يراه فرصة لتمكين السياسيين من التواصل مع مجتمعات لغوية متباينة، ومنح الناخبين مصادر جديدة للمعلومات تساعدهم على الاختيار الواعي.
بيانات شاملة تكشف حجم الانتشار
مع انتهاء الاقتراع وفرز الأصوات، أكدت بيانات موسّعة أعدتها “اللجنة الدولية لبيئة المعلومات” — وهي هيئة بحثية تستوحي نموذج “الهيئة الحكومية لتغير المناخ” — أن الذكاء الاصطناعي استُخدم في أربعة من كل خمسة انتخابات العام الماضي. وشمل ذلك دولاً كبرى مثل الولايات المتحدة والهند وبريطانيا وإندونيسيا، بينما اقتصرت الدول التي لم تشهد تأثيرًا يُذكر على كيانات صغيرة نسبيًا مثل بوتسوانا ومنغوليا وتوغو.
استخدامات يغلب عليها الغموض
أظهرت الدراسة أن 46% من المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي في الحملات الانتخابية كان مجهول المصدر، وهو ما يعكس صعوبة التتبع. أما المحتوى المعروف المصدر، فجاء 25% منه من جهات سياسية محلية، و20% من جهات أجنبية، ما يبرز التداخل بين اللاعبين الداخليين والخارجيين في ساحة المنافسة السياسية.
أوجه الاستخدام الإيجابي
لم تكن جميع تطبيقات الذكاء الاصطناعي سلبية؛ فقد استُخدم في بعض الدول لترجمة خطابات المرشحين إلى لغات الأقليات بهدف تعزيز الشمول السياسي، كما حدث في مدغشقر حيث ساعدت التكنولوجيا في التحقق من هوية الناخبين. هذه الاستخدامات المعلنة غالبًا ما كانت تحمل طابعًا خدميًا وتطويريًا.
أساليب التلاعب والتأثير السلبي
في المقابل، شكّلت الاستخدامات الضارة أكثر من ثلثي الحالات المسجلة. تضمنت هذه الممارسات إعادة “إحياء” سياسيين هنود متوفين لإصدار تأييدات وهمية، أو نشر فيديوهات مزيفة لمرشحات يعلنّ انسحابهن من السباق، كما حدث في بنغلاديش. وكانت التدخلات الخارجية، خصوصًا من روسيا والصين، ذات طابع عدائي مباشر، كما في جزر سليمان حيث استُهدفت كامل القاعدة الانتخابية.
تأثيرات مباشرة على المسار الديمقراطي
رغم صعوبة قياس الأثر النهائي لهذه التدخلات، فقد سجلت بعض الحالات التي أحدثت تغييرًا ملموسًا، أبرزها في رومانيا حيث أبطلت المحكمة الدستورية الانتخابات الرئاسية وأمرت بإعادتها بعد التأكد من وجود حملة تلاعب إلكترونية مدعومة بالذكاء الاصطناعي.
بيئة انتخابية متغيرة وحاجة إلى استجابة سياسية
تشير نتائج الدراسة إلى أن الذكاء الاصطناعي أصبح عنصرًا فاعلًا في البيئة الانتخابية، تمامًا كما تؤكد أبحاث المناخ على التغير البيئي. لكن، كما هو الحال مع قضايا البيئة، تبقى مهمة الباحثين محصورة في الرصد والتحليل، بينما يظل وضع السياسات والقرارات التشريعية مسؤولية صانعي القرار السياسي.