عربي وعالمي

بين الضجيج والواقع:كيف يربك ترامب اسواق الأسهم الأمريكية ؟

ترامب والأسواق: لعبة الغموض والتوتر

 

رغم الأداء اللافت لمؤشر S&P 500 الذي يواصل تحطيم الأرقام القياسية، إلا أن هذا الازدهار السطحي يُخفي خلفه واقعًا مضطربًا من التناقضات السياسية والضغوط الاقتصادية المتزايدة. ففي ولايته الثانية، لا يتوقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن إطلاق موجات متتالية من الرسوم الجمركية، يتبعها تعديلات مفاجئة أو تراجعات محسوبة. هذا الأسلوب الذي وصفه مستشاره السابق ستيف بانون بـ”إغراق المنطقة بالمعلومات”، لم يعد مجرد تكتيك إعلامي، بل بات عاملًا مؤثرًا في زعزعة الثقة داخل سوق الأسهم الأمريكية، ومن خلالها في النظام المالي العالمي بأسره.

الغموض السياسي لا يعني بالضرورة تقلبًا ماليًا

في الظروف العادية، يستطيع المستثمرون تقييم الأسهم بناءً على مؤشرات اقتصادية مستقرة، لكن سياسات ترامب الحمائية المتغيرة خلقت بيئة شديدة الارتباك. مؤشر “عدم اليقين في السياسات الاقتصادية” (EPU) في الولايات المتحدة سجّل مستويات مرتفعة للغاية مؤخرًا، دون أن يقابلها ارتفاع مماثل في مؤشر “فيكس” لقياس تقلبات السوق، وهو ما يطرح تساؤلات حول منطق السوق الحالي.

 

أسواق تتجاهل الخطر… أو لا تستطيع تفسيره

عندما لا تكون رسائل البيت الأبيض واضحة أو يمكن الوثوق بها، يفشل السوق في تسعير المخاطر بدقة. هذا ما توصلت إليه دراسة من كلية بوث للأعمال في 2017، حين لم تتفاعل الأسواق بقوة مع ارتفاع حالة الغموض في عهد ترامب. ويبدو أن النمط يتكرر الآن: نمو اقتصادي ضعيف، رسوم جمركية مرتفعة، فوضى مالية — ومع ذلك، ترتفع المؤشرات.

 

حين يصبح التراجع عن التهديد خبراً جيداً للأسواق

يعرف المستثمرون أن ترامب قد يتراجع عن سياساته “السيئة”، وهذا بحد ذاته يخلق تأثيرًا نفسيًا يُنعش السوق. الخوف من الخسارة — أكثر من الرغبة في الربح — يدفع المستثمرين للاحتفال بإلغاء الخطر كما لو أنه مكسب. هذا ما حدث عندما هاجم ترامب رئيس الاحتياطي الفيدرالي في أبريل، ثم تراجع عن تهديده، ليقفز مؤشر S&P 500 لاحقًا.

 

فيض المعلومات يُضعف وضوح الرؤية

دراسة أكاديمية نُشرت في سبتمبر 2024 أظهرت أن تكرار تلقي معلومات صغيرة بوتيرة سريعة يؤدي إلى تدهور دقة الاعتقادات وزيادة حساسية المتلقين لأحدث الأخبار، وهو ما يفسّر ربما كيف تجاوزت الأسواق الأثر السلبي لإعلان رسوم أبريل بمجرد ظهور مؤشرات على صفقات وتأجيلات لاحقة.

 

المفارقة: السوق يحتفل بالهدوء دون أن يرى النار

رغم أن معدلات الرسوم الجمركية الأمريكية ارتفعت بنحو سبعة أضعاف خلال عام واحد، يقف مؤشر S&P 500 حاليًا عند مستويات أعلى بـ30% مقارنة بما كانت عليه بعد انهيار “يوم التحرير الجمركي” في أبريل. ويبدو أن المستثمرين يتجاهلون التأثير التراكمي للسياسات، مركّزين فقط على التحسينات الأخيرة أو الأرباح القوية في الربع الثاني.

 

صدمة واحدة كبيرة أهون من صدمات صغيرة متواصلة

تحذر فريا بيميش، كبيرة الاقتصاديين في TS Lombard، من أن “سلسلة من الصدمات الصغيرة أصعب على الأسواق من صدمة واحدة كبيرة”، مضيفة أن “الضفدع لا يزال يُسلق ببطء”. هذا توصيف بالغ الدقة لحالة السوق الأمريكية التي تعيش تحت ضغط رسوم عالية وفوائد مرتفعة، دون أن تنفجر بعد.

 

ضوضاء مؤقتة أم انهيار مؤجل؟

قدرة السوق على تجاهل الواقع الاقتصادي لها حدود. ارتفاع المؤشرات مدفوعًا بالتفاؤل حول الذكاء الاصطناعي وتخفيضات الرسوم قد لا يصمد طويلًا أمام تباطؤ فعلي في الطلب أو تراجع أرباح الشركات مستقبلًا. سياسات “إغراق المعلومات” قد تؤخر لحظة الحقيقة، لكنها لا تمنعها.

اقرا ايضا

اليوم… محكمه الطالبيه تنظر محاكمه متهم بابتزاز الفنان طارق ريحان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى