تقارير التسلح

تيجاس ليست إف-16… لكنها ستقود سلاح الجو الهندي بعد تقاعد مقاتلات ميغ

مع اقتراب خروج مقاتلات MiG-21 الأسطورية من الخدمة نهائيًا بعد ستة عقود من الخدمة في سلاح الجو الهندي، تستعد الهند لفصل جديد من تاريخها العسكري تقوده مقاتلات “تيجاس” المحلية. وبالرغم من كونها أقل تطورًا من نظرائها الأميركيين مثل F-16، فإن طائرة “تيجاس” الخفيفة متعددة المهام باتت على وشك أن تصبح العمود الفقري للقوة الجوية الهندية في مواجهة تهديدات الصين وباكستان، في لحظة حرجة تتزامن مع اتساع فجوة التكنولوجيا الجوية في آسيا.

لكن هذا التحول الكبير لا يخلو من تساؤلات، تبدأ من الجاهزية الفنية، ولا تنتهي عند قدرات الطائرة في الحروب المستقبلية.

وداعًا لميغ-21… ومرحبًا بتيجاس

في سبتمبر المقبل، سيودع سلاح الجو الهندي آخر 36 طائرة من طراز MiG-21 Bison، موزعة على السربين رقم 3 و23 المتمركزين في قاعدة “نال” الجوية بولاية راجاستان. وستخلفها مباشرة طائرات Tejas Mk-1A، التي تُعد أول مقاتلة محلية بالكامل تدخل الخدمة بانتظام.

حتى الآن، يُشغّل سلاح الجو الهندي سربين من طائرات Tejas Mk-1، ويملك ما يقارب 38 طائرة من أصل طلبية أصلية بـ40 طائرة. وفي إطار تعزيز الأسطول، أبرم الجيش الهندي صفقة للحصول على 83 طائرة إضافية من النسخة المطورة Mk-1A، مع خطط قريبة لشراء 97 طائرة أخرى من النوع ذاته، ليصل العدد الإجمالي المتوقع إلى 180 طائرة من طراز Mk-1A بحلول نهاية العقد.

قوة جوية تعاني من العجز… و”تيجاس” كبديل اضطراري

رغم هذا الاستثمار الضخم، يواجه سلاح الجو الهندي تحديًا حادًا في أعداد الطائرات. فبينما تُقدَّر الحاجة التشغيلية بـ42 سربًا، لا يتوفر حاليًا سوى 31 سربًا نشطًا، وسينخفض العدد إلى 29 بعد تقاعد الميغ.

ومع استمرار تأخر تسليم مقاتلات “رافال” وعدم إبرام صفقات جديدة مع فرنسا أو الولايات المتحدة، أصبحت “تيجاس” الخيار الوحيد المتاح لتعويض العجز وتعزيز الجاهزية أمام تصاعد التوترات الإقليمية.

من Mk-1 إلى Mk-2… هل تنجح الهند في صناعة مقاتلة هندية خالصة؟

يتجه سلاح الجو الهندي إلى توسيع اعتماده على برنامج “تيجاس” ليشمل الجيل الثاني من المقاتلة (Mk-2)، التي ما تزال قيد التطوير، والمتوقع أن تُحلّق لأول مرة العام المقبل، على أن يبدأ الإنتاج الكثيف بحلول عام 2029. وتُقدّر الطلبات المحتملة لهذه النسخة بحوالي 120 طائرة، مما يعني أن الهند قد تمتلك أسطولًا مكونًا من 350 طائرة تيجاس (بجميع نسخها) بحلول بداية ثلاثينيات هذا القرن.

ورغم هذه الطموحات، فإن برنامج “تيجاس” يواجه تساؤلات جدية حول الجدوى الزمنية: هل ستبقى هذه الطائرة قادرة على المنافسة عندما تدخل الخدمة بكامل طاقتها في ثلاثينيات القرن، في وقت سيكون فيه الخصوم الرئيسيون – مثل الصين – قد انتقلوا إلى مقاتلات الجيل السادس؟

الجيل الثاني من المقاتلة (Mk-2)،

الزمن هو العدو الأكبر… والتأخير سمة متكررة

واحدة من أكثر القضايا إلحاحًا تتمثل في التأخير المزمن لشركة “هندوستان أيرونوتيكس ليمتد” (HAL) في تسليم الطائرات، وهي المسؤولة عن تصنيع “تيجاس”. كان من المفترض أن تسلّم الشركة أول دفعة من طائرات Mk-1A بحلول مارس 2024، لكن حتى الآن – بعد أكثر من 16 شهرًا – لم تُسلَّم أي طائرة.

وتعتمد HAL على شركة “جنرال إلكتريك” الأميركية لتوريد محركات F404، لكن الأخيرة متأخرة عامين في جدول التسليم، مما يعمّق الأزمة. حتى وفق الجدول المحدث، لا تتوقع HAL تسليم أكثر من 12 طائرة قبل نهاية 2025، وهو جدول لا يبدو واقعيًا بالنظر إلى الأداء السابق.

الجيل الرابع في عصر الجيل السادس؟

في حين أن Tejas Mk-1A تصنف ضمن الجيل الرابع ++، فإن الواقع الاستراتيجي يتغيّر بوتيرة سريعة. الصين – الخصم الجيوسياسي الأول للهند – تملك بالفعل طائرتين من الجيل الخامس هما J-20 وFC-31، وتعمل على تطوير مقاتلات من الجيل السادس. أما باكستان، فرغم نفيها، تشير تقارير استخباراتية إلى سعيها لشراء مقاتلات J-35 الشبحية من الصين.

هذا التقدّم التكنولوجي يضع ضغوطًا متزايدة على نيودلهي، ويجعل بعض الخبراء يدعون إلى التخلي عن طموحات Mk-2 والتركيز بدلًا من ذلك على تسريع برنامج الطائرة الشبحية الهندية AMCA (الجيل الخامس).

تيجاس تحت المجهر: نقاط القوة والقيود

من الناحية التكتيكية، تتمتع تيجاس بعدة مزايا: حجم صغير يقلل البصمة الرادارية، مرونة عالية في المناورات، كلفة تشغيل منخفضة، واعتماد محدود على الخارج. كما أنها مجهزة برادارات نشطة وأنظمة تسليح حديثة نسبيًا في نسختها Mk-1A.

لكن هناك أيضًا قيود واضحة: حجمها الصغير يحد من قدرة الحمولة، ويفرض تحديات في دمج أنظمة الحرب الإلكترونية، وأجهزة الاتصال الآمنة، وصناديق البيانات. كما أن المدى القتالي أقل من نظرائها، والقدرة على التحمل الزمني والمناورات على ارتفاعات عالية لا تقارن بطائرات مثل F-16 أو “رافال”.

غياب سجل القتال الحقيقي… والمخاوف اللوجستية

على عكس المقاتلات الغربية التي خاضت حروبًا حقيقية، لم يتم اختبار تيجاس في بيئة قتال فعلية. كما أن دعمها اللوجستي لم يُختبر بعد، ما يثير مخاوف حول مدى الجاهزية، خاصة أن الطائرات الحديثة تتطلب بنى دعم معقدة تشمل الصيانة وقطع الغيار والتدريب.

ويحذر ضباط متقاعدون من أن “غياب البنية اللوجستية المتكاملة سيؤثر على الجاهزية القتالية، وأن أي تأخير في توفير قطع الغيار قد يعطّل الأسطول بأكمله.”

خاتمة: خطوة نحو الاستقلال… لكنها ليست بلا ثمن

لا شك أن برنامج “تيجاس” يمثل رمزًا للسيادة الهندية في مجال التصنيع العسكري، ويمنح نيودلهي حرية استراتيجية في التسلح بعيدًا عن ضغوط السوق العالمية. لكن الطريق إلى الاستقلال الكامل مليء بالعقبات: تأخير في التسليم، اعتماد على محركات أجنبية، تحديات تكنولوجية، وشكوك في القدرة على مواجهة مقاتلات الجيل الخامس أو السادس.

وحدها القدرة على معالجة هذه التحديات بواقعية وبسرعة ستحدد ما إذا كانت “تيجاس” مجرد مرحلة انتقالية أم نقطة تحوّل في تاريخ سلاح الجو الهندي.

اقرأ أيضاً:

78 ساعة على تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ 2025

يارا حمادة

يارا حمادة صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى