الولايات المتحدة: فوضى تتصاعد وولاء انتخابي لا يتزعزع
الولايات المتحدة: فوضى سياسية وثبات في الولاء الانتخابي

في وقتٍ تتهاوى فيه مؤشرات الاقتصاد الأمريكي، وتتفاقم فيه أعباء المعيشة، ويُسرّح الآلاف من الموظفين الفيدراليين، ويُعتقل المهاجرون في وضح النهار، تبدو الولايات المتحدة وكأنها على حافة اضطراب طويل الأمد. ومع ذلك، فإن ما يثير الانتباه وسط هذا المشهد المرتبك ليس فقط حجم الفوضى، بل غياب الشعور بالندم لدى أنصار الرئيس دونالد ترامب. فالرئيس الذي أُدين جنائيًا وواجه انتقادات واسعة بسبب سياساته التصادمية، لا يزال يحظى بدعم قاعدة جماهيرية راسخة ترى في انتخابه عام 2024 قرارًا صائبًا، لا يستوجب التراجع عنه.
في هذا السياق، يبدو أن اعتبارات الانتقام السياسي والتشفي من “الطرف الآخر” تفوق في أهميتها الظروف المعيشية الصعبة. إنها لحظة أمريكية يُعاد فيها تعريف الولاء السياسي، ليس بالنتائج أو الاستقرار، بل بمدى الضرر الذي يُلحقه الزعيم بخصوم ناخبيه.
استطلاعات الرأي: لا ندم.. فقط تصميم
استطلاع جديد من جامعة ماساتشوستس أمهيرست كشف أن 2% فقط من ناخبي ترامب أبدوا ندمهم على التصويت له، مقارنة بـ 3.5% في عام 2017. بينما أكد 74% منهم أنهم يشعرون بثقة كبيرة في خيارهم. وبحسب المحلل في CNN، هاري إنتن، فإن أسطورة “ناخبي ترامب النادمين” تبدو أقرب إلى اختراع إعلامي منها إلى ظاهرة حقيقية.
الاستقطاب السياسي: المهم أن يتألم الطرف الآخر
في أمريكا المنقسمة بشدة، لا يهتم كثير من الناخبين بما إذا كانوا يتألمون هم أنفسهم، بقدر اهتمامهم بأن “الآخرين” – خصومهم السياسيين – يتألمون أكثر. ما يرضي كثيرًا من أنصار ترامب ليس تحسن أوضاعهم، بل رؤية المعسكر الليبرالي يتعرض للعقاب والإذلال، سواء عبر السياسات أو حتى منشورات السخرية والميمات.
الانتقام بدل الإنجاز: ترامب يفي بوعود الألم
الرئيس لم يتأخر في تنفيذ أجندته الانتقامية. فقد قطع التمويل عن جامعات النخبة، واستهدف المتحولين جنسيًا، وشن حملات ضد المهاجرين والمحتجين. لم يكتف بالسياسات بل استغل منصات الدولة لنشر سخرية حاقدة، كما ظهر في منشور عيد الحب الرسمي للبيت الأبيض، والذي تضمن بيتًا ساخرًا عن الترحيل القسري للمهاجرين.
الاقتصاد لا يهم من لا يملك شيئًا
رغم غضب بعض داعمي ترامب الأثرياء من تقلّب الأسواق بسبب التعريفات الجمركية، إلا أن الغالبية من مؤيديه لا يتأثرون بشكل مباشر، لأن 93% من الأسهم الأمريكية بيد أعلى 10% من السكان. عندما تعاني الطبقات الدنيا من انعدام الفرص والمساواة، فإن لديهم القليل ليخسروه وبالتالي، لا يشعرون بالكثير من الندم.
الحقيقة المؤجلة: الألم قادم للجميع
لكن هذا “التحمل” قد لا يدوم. فارتفاع أسعار المواد الغذائية – التي وعد ترامب بخفضها – بات ملموسًا، ومن الصعب إقناع الناس طويلاً بأن كل شيء على ما يرام عندما لا يستطيعون شراء حاجياتهم الأساسية. حينها، قد يفقد خطاب الانتقام بريقه، ويصبح “الانتصار على الليبراليين” أمرًا بلا معنى إذا لم يعد بإمكانك امتلاك أي شيء.