عربي وعالمي

نتنياهو يوسّع الحرب في غزة: خطة لـ”الوجود المستدام” تثير العاصفة

إسرائيل تتجه لتوسيع عملياتها العسكرية في غزة: مشروع "الوجود المستدام" يثير القلق الدولي

في تصعيد جديد ينذر بعواقب سياسية وإنسانية وخيمة، أعلنت الحكومة الإسرائيلية نيتها توسيع عملياتها العسكرية في قطاع غزة بهدف “احتلال” كامل للأراضي الفلسطينية وفرض ما وصفه مسؤولون إسرائيليون بـ”الوجود المستدام”. القرار أُقر بالإجماع خلال اجتماع لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي ليلة الأحد، متجاوزًا بذلك الأهداف التي سبق وأن حددتها تل أبيب منذ بدء عدوانها على غزة بعد هجمات 7 أكتوبر 2023. هذه الخطوة غير المسبوقة من المتوقع أن تثير ردود فعل دولية حادة، إذ تتعارض مع المساعي الدبلوماسية الرامية إلى احتواء الأزمة، كما تثير تساؤلات حول نوايا إسرائيل الحقيقية في القطاع، لا سيما بعد انسحابها الرسمي منه عام 2005.
المسؤولون الإسرائيليون صرحوا للصحافة بأن الخطة تشمل هجومًا بريًا واسع النطاق يهدف إلى بسط السيطرة الكاملة على القطاع، مع تنفيذ عمليات نقل قسري للسكان باتجاه الجنوب “لحمايتهم”، في الوقت الذي ستُشن فيه ضربات عنيفة على ما تبقى من بنية حركة حماس. وبحسب مراقبين، فإن المصطلحات المستخدمة من قبل تل أبيب توحي بعودة إلى سياسات الاحتلال وإعادة التوطين، وهو ما يخالف القانون الدولي ويعيد إلى الأذهان تجربة الاحتلال الإسرائيلي للبنان في الثمانينات.

تصعيد ميداني غير مسبوق: استدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط وتحولات استراتيجية

شروق عياد تُواسي ابنتها رهف، البالغة من العمر ١٢ عامًا، والتي تعاني من سوء التغذية، في مركز إيواء وسط مدينة غزة يوم الأحد. تصوير: عمر القطاّع/وكالة فرانس برس/صور غيتي

الجيش الإسرائيلي أعلن، عبر رئيس أركانه الجنرال إيال زمير، عن استدعاء “عشرات الآلاف” من جنود الاحتياط لتعزيز القوات النظامية المتمركزة في غزة، تمهيدًا لإطلاق الحملة البرية الجديدة. هذه التعبئة الواسعة تثير تساؤلات عن المدى الزمني المتوقع للعملية، خصوصًا في ظل الإقرار بوجود نية واضحة لاحتلال القطاع وليس فقط تنفيذ ضربات محدودة. تأتي هذه الخطوة في أعقاب انهيار الهدنة المؤقتة منتصف مارس، والتي لم تصمد أمام التوترات المتزايدة والضغوط السياسية داخل إسرائيل.
في الميدان، يواصل الجيش تعزيز ما يُعرف بـ”المناطق العازلة” داخل القطاع، ممتدًا بعمق عدة كيلومترات على طول الحدود، مما يعني أن أكثر من 70% من غزة أصبح إما تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة أو يخضع لأوامر إخلاء قسرية أصدرتها تل أبيب لسكان أحياء معينة. هذه التحركات تقوّض أي فرصة حقيقية لعودة الحياة الطبيعية، وتعمّق من واقع التهجير والنزوح الداخلي لعشرات الآلاف من الفلسطينيين.
في المقابل، ترفض قيادة الجيش تسلم مسؤولية توزيع المساعدات الإنسانية في القطاع، رغم انهيار البنية التحتية والخدماتية، ما يترك المدنيين في حالة مأساوية تحت الحصار، دون أفق قريب للحل.

مساعدات تحت السيطرة العسكرية: “ابتزاز سياسي” ورفض دولي حازم

أثار إعلان إسرائيل نيتها إنشاء مراكز توزيع مساعدات خاضعة لإشراف الجيش في جنوب غزة ردود فعل غاضبة من المنظمات الإنسانية، وعلى رأسها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA). المكتب أصدر بيانًا شديد اللهجة وصف فيه المخطط الإسرائيلي بأنه “يتعارض مع المبادئ الإنسانية الأساسية”، محذرًا من أن هذا الإجراء يهدف إلى إحكام السيطرة على الغذاء والدواء واستخدامهما كوسائل ضغط عسكري على السكان.
الخطة التي تقضي بإسناد توزيع المساعدات إلى مقاولين مدنيين محليين، تحت حماية الجيش، تهدد – بحسب OCHA – بدفع المدنيين إلى مناطق عسكرية محفوفة بالمخاطر فقط من أجل الحصول على الغذاء، وتعرض حياة العاملين الإنسانيين للخطر. المنظمات الإنسانية ترى في هذه الخطوة استغلالًا للمساعدات كأداة سياسية لإضعاف سلطة حماس وفرض شروط الاحتلال بالقوة.
في الوقت ذاته، صرّحت مصادر إسرائيلية بأن الحكومة ترى أن هناك “ما يكفي من الغذاء في غزة”، رغم التقارير الأممية التي تؤكد انهيار النظام الغذائي ونقص المياه والأدوية، وارتفاع معدلات سوء التغذية بين الأطفال، ما ينذر بكارثة إنسانية غير مسبوقة إذا استمرت المعارك والحصار بهذا الشكل.

نُقل طفل مصاب جراء غارة إسرائيلية إلى مستشفى الشفاء في مدينة غزة يوم الاثنين. تصوير: جهاد الشرافي/أسوشيتد برس

حركة حماس: المساعدات أداة للابتزاز والحصار “سبب الكارثة”

ردًا على المقترح الإسرائيلي بإدارة عمليات الإغاثة الإنسانية من قبل الجيش، وصفته حركة حماس بـ”الابتزاز السياسي”، معتبرة أن الحصار المفروض على القطاع منذ أكثر من شهرين هو السبب الرئيس في الكارثة الإنسانية الحالية. حماس، التي ما زالت تحتفظ بـ58 رهينة وفق البيانات الإسرائيلية، ترى في هذه الخطط محاولة إسرائيلية لإعادة فرض سيادتها الأمنية والإدارية على القطاع بطريقة غير مباشرة.
الحركة تؤكد أن الأوضاع الإنسانية في القطاع وصلت إلى مستوى الانهيار الكامل، حيث لا يجد السكان ما يسد الرمق، والمراكز الصحية لم تعد قادرة على استقبال الجرحى أو المصابين بسوء التغذية، ما يجعل أي مساعدة إنسانية مشروطة بموافقة الجيش أمرًا غير مقبول دوليًا. وتعتبر أن هذا التوجه يشكل سابقة خطيرة في تحويل الإغاثة إلى أداة تفاوض عسكري، ويعمّق من معاناة المدنيين.
في السياق ذاته، اتهمت حماس إسرائيل بتعمد تأخير إدخال المساعدات بهدف الضغط على المقاومة للتنازل في ملف التبادل، مؤكدة أن استمرار هذه السياسة لن يؤدي إلا إلى مزيد من التعنت والتصعيد.

المعارضة الداخلية تتصاعد: عائلات الرهائن تنتقد التصعيد

تزايدت الأصوات الناقدة لسياسات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من داخل إسرائيل نفسها، حيث أصدرت رابطة تمثل غالبية عائلات الأسرى المحتجزين لدى حماس بيانًا نددت فيه بتوسيع العمليات العسكرية. البيان اعتبر أن أي هجوم موسّع يعرّض حياة الرهائن للخطر الفوري، ويهدد سلامة الجنود أيضًا، ويزيد من معاناة العائلات الإسرائيلية التي تنتظر منذ أشهر حلًا لأزمة الاحتجاز.
الرابطة طالبت الحكومة بوضع ملف الأسرى في مقدمة أولوياتها، والبحث عن حلول سياسية قبل أي تصعيد عسكري جديد. ويبدو أن هذا الصوت لا يجد آذانًا صاغية في أروقة الحكومة، التي تعتمد على دعم أحزاب يمينية متطرفة تطالب بإعادة احتلال القطاع وتوطين الإسرائيليين فيه مجددًا.
الجدير بالذكر أن هذه الأحزاب تشكل حجر الأساس في ائتلاف نتنياهو الحاكم، ما يفسر تمسكه بخيارات التصعيد، حتى وإن تعارضت مع التوجه الدولي أو مصالح العائلات الإسرائيلية نفسها.

الضربات الجوية مستمرة: عشرات القتلى في شمال القطاع

لم تتوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية، إذ استُهدفت عدة مناطق في شمال القطاع ليلة الأحد، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 17 شخصًا، بينهم ثمانية نساء وأطفال، وفق مصادر طبية في مستشفى الشفاء. الضربات شملت مدن غزة، بيت لاهيا وبيت حانون، وهي مناطق تشهد كثافة سكانية عالية رغم الإخلاءات المتكررة.
الضربات جاءت في وقت يُفترض أن تكون فيه العمليات مركزة في الجنوب تمهيدًا لفتح ممرات إنسانية، لكن واقع الأمر يعكس استمرار النهج العسكري دون تمييز واضح بين الأهداف. هذا الواقع يفاقم من معاناة السكان ويُصعّب على الجهات الإنسانية تنظيم عمليات إغاثة متواصلة، ما يعيد إنتاج المأساة في كل منطقة جديدة تُقصف.

ضغوط أميركية سعودية مرتقبة… وصفقة محتملة لوقف إطلاق النار

من المقرر أن يزور الرئيس الأميركي دونالد ترامب المنطقة خلال الأسابيع المقبلة، حيث يعتزم إجراء محادثات في السعودية وقطر والإمارات، في محاولة لإحياء المفاوضات المتوقفة. ترامب، الذي سبق وأن طرح خطة لإعادة توطين سكان غزة في دول مجاورة مثل الأردن ومصر، لا يزال يدعم نتنياهو، لكنه قال مؤخرًا إنه يريد منه أن “يكون جيدًا لغزة”.
توقيت الزيارة يتزامن مع نية إسرائيل توسيع عملياتها، ما يرجح أن تُستخدم هذه التحركات العسكرية كورقة تفاوض لانتزاع تنازلات من حماس أو تسريع عقد صفقة تبادل. في المقابل، فإن العواصم الخليجية قد تمارس ضغوطًا مضادة على ترامب لحثه على وقف العمليات والسماح بإدخال المساعدات، وهو ما قد يضع رئيس الوزراء الإسرائيلي في مأزق سياسي، خاصة مع افتقار إدارته إلى خطة طويلة الأمد لإدارة القطاع بعد الاحتلال.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. عمل في مؤسسات إعلامية محلية ودولية، وتولى إدارة محتوى في مواقع إخبارية مثل "أخباري24" والموقع الألماني "News Online"، وغيرهم, حيث قاد فرق التحرير وواكب التغيرات المتسارعة في المشهد الإعلامي العالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى