"رحلتي مع ابنتي إلى هونغ كونغ تكشف تحول مستقبل الاقتصاد والسياسة العالمية"
كيف تغيرت نظرة الأجيال الجديدة تجاه الديمقراطية والأنظمة الاقتصادية في العالم

قبل عدة أشهر، سافرت مع ابنتي التي تبلغ من العمر ست سنوات إلى هونغ كونغ. عند خروجنا من المطار وركوب القطار، لاحظت دهشتها الكبيرة عندما جلست على مقاعد نظيفة محاطة بشاشات LED. قالت لي: «واو يا أبي، ليس لدينا قطارات كهذه في لندن». كانت تلك اللحظة بداية تأملي في الفرق الشاسع بين العالم الذي ستنشأ فيه وعالمي الذي نشأت فيه.
تحول قوة الاقتصاد العالمي إلى نماذج جديدة
خلال الأسبوع الذي قضيناه هناك، ورؤية ابنتي لأشياء لم تعهدها في بريطانيا، أدركت كيف بدأت تفهم أن مركز القوة الاقتصادية انتقل إلى نموذج جديد من الرأسمالية خلال جيل واحد فقط. مقارنة قطارات لندن القديمة مع قطارات هونغ كونغ الحديثة كانت تعبيرًا بسيطًا لكن دقيقًا عن الفرق بين اقتصاد متقدم وآخر في حالة تراجع.
بريطانيا في تسعينيات القرن الماضي: قمة الحضارة الغربية
نشأت في فترة كانت تُعرف بـ “Cool Britannia” في التسعينيات، حين كانت بريطانيا تُعتبر في ذروة الحضارة العالمية بعد الولايات المتحدة. تعلمنا في المدرسة أن بريطانيا هي مهد الرأسمالية الصناعية والديمقراطية البرلمانية، وكنت أؤمن أن مجتمعاتنا هي النموذج الأمثل الذي يجب أن تحتذي به باقي دول العالم.
سرد تاريخي نموذجي لتطور الرأسمالية والديمقراطية
في دروس التاريخ، كانت قصة تطور الرأسمالية تبدأ بتحويل القرى الإنجليزية في العصور الوسطى إلى مراكز صناعية، وصعود الديمقراطية من خلال وثيقة الماجنا كارتا والصراعات السياسية في القرن السابع عشر. كان الغرب يُعتبر العالم المتقدم، بينما كان يُنظر إلى بقية العالم على أنه مناطق “نامية” تمر بأزمات مؤقتة في طريقها نحو التقدم.
واقع جديد: نظرة مختلفة للشباب البريطاني على العالم
تغيرت هذه الصورة بشكل جذري. أصبحت هونغ كونغ وجهة أحلام للشباب البريطاني المحترف، تليها مدن عربية مثل دبي، أبو ظبي، والرياض. حتى في السعودية، يعمل محمد بن سلمان على إنشاء مدينة ذكية مستقبلية باسم “ذا لاين” بطول 170 كم، في حين تتعثر بريطانيا في مشاريع مثل خط السكك الحديدية السريع HS2.
انجذاب الشباب البريطاني للأنظمة السلطوية ذات التكنولوجيا المتقدمة
تظهر هذه التحولات في اهتمام الشباب البريطاني بالمناطق التي تُدار بأنظمة سياسية استبدادية تمتلك تقنيات متطورة ومستوى عالٍ من الرفاهية. الأندية الرياضية التي يشجعونها غالباً ما تكون مملوكة لأمراء الخليج، وأفلامهم تُصور في الإمارات، مما يدل على انتقال مركز الجاذبية العالمية بعيدًا عن الغرب الديمقراطي.
الدروس السياسية: هل تواجه الديمقراطية تراجعًا أمام الرأسمالية المتقدمة؟
يوضح المؤرخ كوين سلوبوديان كيف مثلت هونغ كونغ نموذجًا للرأسمالية الحرة التي تعمل خارج إطار الديمقراطية. حتى الرئيس الأمريكي السابق ترامب أعرب عن إعجابه بقدرة الصين على قمع المعارضة، وهو أمر يصعب تحقيقه في ظل التقاليد الدستورية الأمريكية.
تأييد بعض السياسيين البريطانيين للنماذج السلطوية
أشاد رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون بسرعة التطوير في السعودية، وكتبت صحفية تلغراف إيزابل أوكشوت بإعجاب عن دبي كنموذج ناجح متعدد الثقافات، رغم سجلها في قمع حقوق الإنسان. كما رفع نائب زعيم حزب ريفورم البريطاني، ريتشارد تايس، دبي كنموذج للانضباط الوطني، متجاهلاً الانتقادات المتعلقة بحقوق الإنسان.
المستقبل في خطر: كيف تنظر الأجيال الجديدة إلى الديمقراطية البريطانية؟
مع الدعم الذي تحظى به النظم السلطوية من النخب السياسية والإعلامية، ستنشأ أجيال مثل ابنتي على قيم مختلفة تمامًا عن تلك التي تمجد الديمقراطية البريطانية. أظهرت دراسة حديثة أن أكثر من نصف جيل Z يرون أن بريطانيا ستكون أفضل تحت حكم “زعيم قوي” لا يضطر للانشغال بالبرلمان والانتخابات. إذا لم تقدِ بريطانيا رؤية جديدة تناسب واقع العالم المتغير، فقد يشعر المزيد من الشباب بأن مستقبلهم لا يكمن في الغرب.