بريطانيا تتراجع أمام واشنطن في معركة التشفير حكومه ستارمر تبحث عن مخرج من أزمة أبل
بريطانيا تواجه ضغوطاً أمريكية في قضية التشفير مع أبل

دخلت حكومة رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في مواجهة محرجة مع إدارة ترامب الجديدة في الولايات المتحدة، على خلفية محاولة وزارة الداخلية البريطانية إرغام شركة أبل على فتح “باب خلفي” يسمح لأجهزة الأمن بالوصول إلى بيانات المستخدمين المخزنة بتقنيات تشفير معقدة. وفي ظل ضغوط أمريكية متزايدة وتهديدات بتعطيل التعاون التقني بين البلدين، بات من الواضح أن لندن تسعى الآن للخروج بهدوء من هذه المواجهة دون خسائر دبلوماسية أو تجارية جسيمة، بعد أن تسببت القضية في أكبر صدام بين الحكومة البريطانية وشركات التكنولوجيا منذ عقد تقريبًا.
أمر تقني يثير أزمة دولية: محاولة بريطانية لكسر تشفير أبل
بدأت الأزمة في يناير الماضي، حين أصدرت وزارة الداخلية البريطانية أمرًا تقنيًا لشركة أبل بموجب قانون “القدرات التقنية” البريطاني، طالبت فيه بإتاحة الوصول إلى أكثر أنظمة التخزين السحابي أمانًا لدى الشركة. هذا الطلب أثار رد فعل عنيف من أبل التي انسحبت من تقديم الخدمة في المملكة المتحدة، وقررت الطعن على القرار أمام محكمة مختصة بمراقبة أعمال أجهزة الأمن.
ضغط أمريكي مباشر: إدارة ترامب تعتبر القرار “تهديدًا للخصوصية”
القرار البريطاني لم يمر دون رد من واشنطن. فقد عبر نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس عن “انزعاجه الشديد” من هذا التحرك، واعتبرته إدارة ترامب تجاوزًا لا يمكن قبوله، قد يؤثر على صفقات وشراكات تقنية بين البلدين. حتى الرئيس ترامب نفسه شبّه الخطوة البريطانية بـ”ما يحدث في الصين”، ووجه انتقادًا مباشرًا لرئيس الوزراء ستارمر، قائلًا: “لا يمكنكم فعل ذلك”.
تأثيرات محتملة على الشراكة التقنية والتجارية بين البلدين
وفق مصادر حكومية بريطانية، فإن مستقبل اتفاقيات الشراكة في مجالات الذكاء الاصطناعي وتبادل البيانات مهدد بالانهيار إذا أصرت بريطانيا على موقفها تجاه أبل. أحد المسؤولين قال إن “قضية التشفير باتت خطًا أحمر بالنسبة للأمريكيين”، مما يهدد استثمارات مشتركة في مجالات تقنية استراتيجية.
وزارة الداخلية في مأزق: “ظهرنا إلى الحائط”
من داخل الحكومة البريطانية، لا يخفي بعض المسؤولين إحباطهم من طريقة تعامل وزارة الداخلية مع الملف، إذ وصفها أحدهم بأنها “أزمة صنعتها الوزارة بنفسها”، مؤكدًا أن هناك محاولات حثيثة لإيجاد “مخرج يحفظ ماء الوجه”. ورغم مواصلة الداخلية مسارها القانوني أمام المحكمة، إلا أن مؤشرات التراجع باتت واضحة.
تحالف غير مسبوق في وادي السيليكون: واتساب ينضم إلى أبل في التحدي القانوني
في خطوة لافتة، أعلنت شركة “واتساب” المملوكة لمجموعة “ميتا” انضمامها إلى أبل في المعركة القانونية ضد الحكومة البريطانية، في تحالف نادر بين شركتين منافستين. هذه الخطوة تعكس حجم القلق الذي ينتاب عمالقة التكنولوجيا من سابقة قانونية قد تُستخدم ضدهم لاحقًا في دول أخرى.
قانون “ميثاق المتجسس”: تشريعات مثيرة للجدل تُقيد الشفافية
يستند الأمر التقني البريطاني إلى “قانون صلاحيات التحقيقات”، والذي يوصف من قبل منتقديه بـ”ميثاق المتجسس”. هذا القانون يمنع الشركات المتلقية لأوامر تقنية من إبلاغ المستخدمين أو حتى مناقشة مضمون الأمر علنًا، إلا بإذن خاص من وزير الداخلية، ما يثير مخاوف من إساءة استخدام السلطة وغياب الشفافية.
واشنطن تخشى من “الإضرار بحرية التعبير” والتأثير على تشريعات الذكاء الاصطناعي
أحد كبار المسؤولين البريطانيين أشار إلى أن الخلاف مع واشنطن قد يقيد قدرة بريطانيا مستقبلًا على إصدار تشريعات خاصة بالذكاء الاصطناعي، خصوصًا في ظل الحساسية الأمريكية تجاه أي قضايا تمس حرية التعبير والخصوصية الرقمية. وهذا قد يفسر قرار حكومة ستارمر بتأجيل تشريع الذكاء الاصطناعي إلى ما بعد مايو من العام المقبل.
مأزق الخصوصية أم حماية الأمن؟ معركة مستمرة بين القيم والتحديات الأمنية
بينما تدافع وزارة الداخلية عن موقفها بوصفه ضروريًا لمكافحة الإرهاب والجرائم الخطيرة مثل استغلال الأطفال، ترى شركات التكنولوجيا أن إجبارها على كسر أنظمتها يهدد الثقة في منتجاتها عالميًا. وقد تؤدي أي سابقة في هذا السياق إلى تأثيرات عابرة للحدود، تشجع دولًا أخرى على تبني نهج مماثل، ما يخلق بيئة تشريعية خانقة للشركات العالمية.