الوكالات

هل نحن على أعتاب حرب عالمية ثالثة؟ أم أنها بدأت بالفعل؟

الحرب الروسية الاوكرانية

في أسبوعٍ أحيت فيه دولٌ كانت حليفة في عالم يتجه للتقسيم، الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية، خيّم شعور متزايد بأن العالم ينزلق بلا كوابح نحو حربٍ عالمية ثالثة.وفقًا لتقرير الجارديان البريطانية

تفكك النظام الدولي القائم على القواعد، وترابط النزاعات المسلحة، وتصاعد العنف الذي ترعاه الدول بلا قيود، إلى جانب تراجع فعالية المؤسسات الأممية، كلها مظاهر عُرضت هذا الأسبوع بوحشية واضحة. من كشمير إلى خان يونس، من الحديدة إلى بورتسودان وكورسك، لا يُسمع سوى دوي الانفجارات، والدرس الوحيد هو أن القواعد القديمة لم تعد صالحة.

المحللة السياسية والمستشارة الحكومية في مراجعة الدفاع الاستراتيجي المرتقبة، فيونا هيل، ترى أن الحرب العالمية الثالثة قد بدأت بالفعل، ولكننا ببساطة نرفض الاعتراف بذلك.

فكرة عالم خارج السيطرة ليست جديدة، وقد تناولها علماء وفلاسفة في محاضرات رييث الشهيرة، لكنها لم تكن يومًا أكثر وضوحًا كما هي الآن: النظام الذي تأسس بعد 1945 ينهار أمام أعيننا.

حشود غفيرة تتزاحم لتلقي وجبات ساخنة توزعها جمعيات خيرية في دير البلح، غزة. الصورة: الأناضول/صور جيتي

تحول جيواستراتيجي بلا بوصلة

ديفيد ميليباند، وزير الخارجية البريطاني الأسبق، عبّر عن خطورة اللحظة خلال كلمته في معهد تشاتام هاوس: “الجميع يقول إن العالم يتغير، لكن ما نعيشه الآن أشبه بلحظة مفصلية كالتي شهدناها في 1989-1990، عندما انتقلنا من الحرب الباردة إلى عالم أحادي القطب… لكننا اليوم لا نعرف إلى ماذا نتجه”.

أما توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، فشبه المشهد بالضياع الجماعي: “ما نسمعه الآن هو جلبة من يحاولون يائسين إعادة تموضعهم. لا أحد يشعر بالأمان، والعالم كله يعيد حساباته”.

من جانبه، عبّر أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي السابق، عن استيائه من نهج ترامب قائلاً: “العالم يسألنا: ما الذي يحدث بحق الجحيم؟ لقد قضينا 80 عامًا نبني الثقة والتحالفات، وترامب يهدد بهدمها كلها خلال مئة يوم”.

مركبة عسكرية هندية تجوب شارعًا في أوري، جنوب كشمير. الصورة: الأناضول/جيتي إيماجز

انسحاب أمريكا ودهس القواعد

النتائج الكارثية للانسحاب الأمريكي كانت واضحة هذا الأسبوع. سواء كانت حربًا عالمية أم لا، فإن العالم اليوم في حالة حرب.

في غزة، دخل الحصار المفروض على الغذاء والمساعدات والدواء شهره الثالث، متحديًا أوامر محكمة العدل الدولية. إسرائيل، باسم أمنها، قصفت اليمن ولبنان وسوريا وغزة، وتضغط يوميًا على واشنطن لمنحها الضوء الأخضر لضرب إيران.

في مؤتمر للمستوطنات، أعلن وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش عن رؤيته لغزة بعد ستة أشهر: “جزء ضيق فقط مأهول بالسكان والبقية مدمرة كليًا”. وهو بذلك يردد صدى خطة ترامب لتفريغ القطاع من سكانه، رغم أنها تتعارض تمامًا مع اتفاق وقف إطلاق النار الذي تفاوض عليه مبعوثه.

في أوروبا، جاءت الإدانة من وزير الخارجية البلجيكي، ماكسيم بريفو، الذي وصف الحصار بأنه “عار مطلق”، في حين قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: “لا يمكننا إدانة روسيا على انتهاك سيادة أوكرانيا ثم نصمت عمّا يحدث في غزة”.

لكن الاتحاد الأوروبي لم يستطع الاتفاق حتى على بيان موحد، فضلًا عن إجراء عملي مثل تعليق اتفاق التجارة الحرة مع إسرائيل.

وفي السودان، تواصلت الهجمات بطائرات مسيرة من قوات الدعم السريع على المرافق الحيوية في بورتسودان، كما فعلت إسرائيل في الحديدة، منفذ المساعدات لليمن. أما محاولات الحكومة السودانية لمحاسبة الإمارات أمام المحكمة الدولية بسبب دعمها المزعوم للدعم السريع، فقد فشلت بسبب “غياب الاختصاص”.

إن النظام العالمي القائم على القواعد في حالة تراجع والعنف في تزايد، مما يجبر الدول على إعادة التفكير في علاقاتها

صراع الكبار في غياب واشنطن

في كشمير، تبادلت الهند وباكستان  دولتان نوويتان  إطلاق النار، بينما تغيب الولايات المتحدة كليًا عن المشهد: لا سفير لها في البلدين، ولا مسؤول كبير معين في الخارجية. تعليق ترامب الوحيد: “إنه لأمر مؤسف، لكنهم يتقاتلون منذ قرون”.

في السابق، كانت الولايات المتحدة تتدخل لاحتواء التصعيد، كما فعل بيل كلينتون في 1999، أو كما فعل مايك بومبيو سراً في 2019 لتفادي صراع نووي. أما الآن، فالهند لم تعد تصف المسألة كصراع إرهابي، بل كعدوان من دولة ضد أخرى.

أوكرانيا… قلب المعركة العالمية

تجمع فيونا هيل بين خيوط النزاعات العالمية في أوكرانيا، حيث ترى أن عناصر الحرب العالمية تتجسد بوضوح. الخسائر البشرية الروسية تجاوزت 900 ألف، فيما تدعم دول كالصين وكوريا الشمالية وإيران موسكو علنًا، بعضها ببناء مصانع طائرات مسيرة، وبعضها الآخر بإرسال جنود أو دعم اقتصادي مباشر.

الهند، التي وقّعت هذا الأسبوع اتفاقية تجارة حرة مع بريطانيا، اشترت ما يزيد عن 112 مليار يورو من النفط الروسي منذ بدء الحرب، إلى جانب الأسلحة.

أما ترامب، فقد حاول إعادة صياغة العلاقات مع روسيا منذ عقود، وحلمه يتمثل في “يالطا جديدة” يتقاسم فيها النفوذ مع بوتين وشي، بينما تقف أوروبا على الهامش وأوكرانيا ممزقة.

لكن ترتيب خيانة “لائقة” لأوكرانيا لم يكن سهلاً، إذ أظهر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنه يملك أوراقًا تفاوضية، منها عرض هدنة لمدة شهر، واتفاق على المعادن مع واشنطن، والتأكيد على أهمية أوكرانيا العسكرية في أمن الغرب.

الصورة التي التُقطت له مع ترامب في الفاتيكان خلال جنازة البابا  عكست لحظة مصالحة مدروسة، بدا أنها أرضت غرور ترامب، وأعادت بعض الزخم للدعم الأمريكي.

دونالد ترامب وفولوديمير زيلينسكي في الفاتيكان الشهر الماضي. الصورة: تيليجرام/@ermaka2022/AFP/Getty Images

أوروبا تستعد لما بعد أمريكا

رغم تغير النبرة في واشنطن، هناك قناعة أوروبية بأن عليهم التحرك بمعزل عن أمريكا. ترامب غير موثوق، وتقديره لبوتين لا يلقى قبولاً في العواصم الأوروبية.

التحضيرات جارية لتأسيس قوة أوروبية لدعم أوكرانيا وللتصدي لأي هجوم روسي محتمل. وقد بدأت بريطانيا وفرنسا العمل المشترك من خلال قوة التدخل السريع، مع انضمام قوى أخرى من مجموعة “فايمار+”.

وفي كلمته بمناسبة يوم النصر الأوروبي، قال الرئيس الألماني فرانك-فالتر شتاينماير إن أوروبا تواجه “تحولًا مزدوجًا” – بسبب عدوان روسيا وانسحاب أمريكا من دورها وهو ما يمثل نهاية القرن العشرين الطويل.

واختتم قائلاً: “على أوروبا أن تقرر: ماذا بعد؟”.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. عمل في مؤسسات إعلامية محلية ودولية، وتولى إدارة محتوى في مواقع إخبارية مثل "أخباري24" والموقع الألماني "News Online"، وغيرهم, حيث قاد فرق التحرير وواكب التغيرات المتسارعة في المشهد الإعلامي العالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى