الرياضة

الرجبي في جنوب إفريقيا: من رمز عنصري إلى وسيلة للوحدة الوطنية

تحوّل تاريخي يقوده الشباب والرموز الملهمة في أحياء مهمشة

 

في أحد شوارع حي ألكساندرا الفقير في جوهانسبرغ، وبين الحفر والقمامة، يخوض طلاب وطالبات من مدرسة “مينيرفا” الثانوية مباراة رجبي على إسفلت متشقق. وبعدها، يستقلون حافلة صغيرة متوجهين إلى مدرسة مجاورة لخوض لقاء ودي. مشهد كهذا كان مستحيلًا تخيله قبل ثلاثة عقود، حين كانت لعبة الرجبي حكرًا على البيض، ترمز لتفوقهم وسط نظام الفصل العنصري.

مانديلا وتحوّل الرمزية

التغيير الجذري بدأ عام 1995، عندما ارتدى نيلسون مانديلا قميص الفريق الوطني “سبرينغبوكس” واحتفل بفوزه بكأس العالم. كانت لحظة تاريخية رسخت في الذاكرة، جسّدها لاحقًا فيلم Invictus. وعلى الرغم من أن الفريق آنذاك ضم لاعبًا أسودًا واحدًا فقط، فإن المشهد اليوم مختلف تمامًا، مع قيادة الكابتن الأسود سيا كوليسي وتشكيلة تضم نصفها من اللاعبين الملوّنين.

الرجبي كمحرّك للتلاحم الإجتماع

مارك ألكساندر، رئيس اتحاد الرجبي في جنوب إفريقيا، والذي لعب سابقًا في دوري موازٍ يسمح للسود بالمشاركة، يصف الرجبي الآن بأنه “محرك للتلاحم الاجتماعي”. ويؤكد أن ما نشهده هو ثمرة استراتيجية وطنية تهدف لاكتشاف المواهب من جميع الشرائح المجتمعية.

مبادرة “Get Into Rugby”: إدماج واسع النطاق

منذ عام 2015، أُطلقت مبادرة “Get Into Rugby” بدعم من الاتحاد الدولي، لتوسيع قاعدة المشاركة. وفي عام 2024 وحده، جرى تعريف نحو ربع مليون طفل باللعبة. المبادرة تشمل تدريب آلاف المدربين ودمج مئات المدارس، حتى في الأحياء المهمشة مثل ألكساندرا.

فوز كبير وأمل متجدد

في إحدى المباريات، وصلت حافلة فريق “مينيرفا” إلى مدرسة “مارلبورو جاردنز”، وحقق الفريق فوزًا ساحقًا بست محاولات، رغم أن أغلب اللاعبين كانوا حفاة. وكان الأداء المتميز من نصيب فينيو سيانيغو (14 عامًا)، الذي حصل لاحقًا على منحة دراسية للالتحاق بمدرسة رياضية مرموقة.

قصص نجاح من رحم التحدي

المدربة سارة سكوسانا، أول فتاة لعبت الرجبي في ألكساندرا، ترى أن اللعبة غيّرت حياة الطلاب. وتقول: “بات لدينا طموحات وفرص حقيقية. نحصل اليوم على منح تعليمية وتقدير لم نكن نحلم به”.

أمل وسط المعاناة

يعيش معظم سكان ألكساندرا في بيوت صفيح، وتنتشر البطالة والمخدرات. لكن الرجبي يفتح للشباب آفاقًا جديدة. المدرب الشاب سيسيلو غازيدي يؤكد: “اللعبة تُبعدهم عن الشوارع… إنها تمنحهم تركيزًا وأملًا”.

الرمزية الملهمة لقادة جدد

 

التغيير لا يُقاس بالأسماء فقط، بل بالرموز. فعندما يرى الأطفال قائدًا أسود مثل كوليسي يرفع كأس العالم، يشعرون أن أحلامهم قابلة للتحقيق.

تحديات مستمرة رغم التقدم

رغم التقدم الكبير، لا تزال التحديات قائمة. فمدرسة مينيرفا تعاني من غياب ملعب خاص ونقص في المعدات والدعم المالي، مقارنةً بالمدارس الغنية ذات الملاعب والجماهير. ومع ذلك، هناك تحول حقيقي جارٍ على الأرض.

بداية واعدة لمستقبل جديد

إلياس مبينغو، منسق دوري “فوكّا” الذي يضم مدارس مثل مينيرفا، يقول: “الفرق اليوم أن سكان البلدات الفقيرة باتوا يلعبون الرجبي”.

ويؤكد أن الطريق لا يزال طويلًا، لكن الانطلاقة قد بدأت بالفعل.

علياء حسن

علياء حسن صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى