الطبقة الاجتماعية وتأثيرها المستمر في السياسة البريطانية: التحديات والفرص المستقبلية
صعود حزب ريفورم وتحديات الأحزاب الكبرى في مواجهة قضايا الطبقات الاجتماعية

لم يكن صعود حزب “ريفورم يو كيه” في الانتخابات الأخيرة أمرًا مفاجئًا، لكن الرسالة الأهم التي يجب التوقف عندها هي أن الطبقة الاجتماعية ما زالت تلعب دورًا جوهريًا في السياسة البريطانية، رغم الادعاءات المتكررة بأن سياسات الهوية أصبحت هي المهيمنة على المشهد.
رد حزب العمال: تحركات سريعة لاحتواء خسائر الطبقة العاملة
ردًا على خسارة حزب العمال في انتخابات برانكون وهيلسبي الفرعية، بالإضافة إلى فقدانه نحو 200 مقعد في المجالس المحلية، قدم الحزب وعودًا بتمويل إضافي لتطوير عيادات الأطباء العامين، وألمح إلى احتمال تشديد شروط تأشيرات الطلاب. كما ترددت أنباء عن نية التراجع عن خفض دعم التدفئة لكبار السن، رغم نفي الحزب لاحقًا. تعكس هذه التحركات قلق الحزب من القضايا التي تشغل بال الطبقة العاملة مثل الهجرة، وتكاليف المعيشة، والخدمات الصحية، رغم استمرار الخطاب السياسي العام في التركيز على الهوية.
وهم “بريطانيا بلا طبقات” وتبعاته
قبل ربع قرن، روج توني بلير لفكرة “بريطانيا بلا طبقات”، معتقدًا أن التعليم الجامعي وتوسع قطاع الخدمات سيؤديان إلى خلق طبقة وسطى واسعة تتجاوز الانقسام التقليدي بين العمال وأرباب العمل. لكن هذه الفرضية اصطدمت بواقع اجتماعي واقتصادي معقد.
التحول إلى “الطبقة الهشة”
على الرغم من إغلاق المصانع والمناجم، إلا أن المجتمعات التي اعتمدت عليها لم تختفِ، بل انتقلت إلى وظائف أقل دخلًا وأمانًا في المخازن ومراكز الاتصال. وأصبحت هذه الشريحة تمثل ما يصفه الاقتصادي غاي ستاندنغ بـ”الطبقة الهشة”، التي تفتقر إلى الاستقرار الوظيفي والاجتماعي.
الجيل الجديد: شهادات دون فرص
يتخرج آلاف الشباب من الجامعات ليواجهوا واقعًا لا يوفر وظائف تناسب مؤهلاتهم، وبدلًا من الازدهار الموعود، عانت البلاد من 16 عامًا من الركود بعد الأزمة المالية، رغم انخفاض معدلات البطالة الظاهري. يعيش ملايين البريطانيين في كفاح دائم لتأمين احتياجاتهم الأساسية، وأكثر من نصف الأطفال الفقراء ينتمون إلى أسر عاملة بدخل غير كافٍ.
الانقسام الجغرافي والطبقي: شمال فقير وجنوب مزدهر
تركز النمو الاقتصادي في لندن وجنوب شرق إنجلترا، في حين ظلت المناطق الصناعية القديمة، مثل الشمال الشرقي، مهمشة. ويزيد دخل الفرد في العاصمة عن ضعفه في الشمال الشرقي، ما يعكس فجوة طبقية وجغرافية عميقة.
تحولات الولاء السياسي في الشمال والجنوب
رغم أن معاقل الطبقة العاملة كانت تقليديًا مع حزب العمال، إلا أن هذه المناطق أصبحت ساحة تنافس مفتوحة، دعمت “بريكست” في 2016، ثم المحافظين في 2019، ثم عادت مؤخرًا – بشكل مؤقت ربما – إلى حزب العمال. أما في الجنوب الثري، فتتوزع الأصوات بين أربعة أحزاب رئيسية، في ظل اختلافات ثقافية واضحة حول قضايا مثل الاتحاد الأوروبي والهجرة والسياسات البيئية.
أزمة الحزبين الكبيرين وتحديات البقاء
يواجه كل من حزب العمال والمحافظين تحديات تهدد نفوذهم. فالمحافظون خسروا التأييد في الشمال والجنوب، بينما يواجه حزب العمال ضغوطًا من اليمين عبر “ريفورم”، ومن اليسار كذلك. لم يعد الناخبون يرضون بالشعارات؛ بل يريدون تحسينات حقيقية في ظروف حياتهم.
الحل الجذري: إصلاح اقتصادي حقيقي
لم يعد كافيًا التوقف عن تعميق الأزمة، بل لا بد من إصلاح اقتصادي شامل يعالج ضعف الاستثمار ويحقق توزيعًا أكثر عدالة لعوائد النمو. دون ذلك، سيبقى حزب “ريفورم” وأمثاله يستمدون قوتهم من شعور الناس بأن النظام فشل،وأن الطبقة العاملة تُركت تواجه مصيرها بمفردها.