الاقتصاد

إطلاق ضخم… وعوائد خجولة: بوبي جاين يصطدم بواقع صناديق التحوّط العملاقة

رغم الضجة الكبيرة التي رافقت إطلاق صندوق “جاين غلوبال” العام الماضي، والتي وُصفت حينها بأنها أكبر عملية تدشين لصندوق تحوّط منذ سنوات، إلا أن النتائج بعد عام من بدء التداول لم تكن على قدر التوقعات. فقد اصطدم المستثمر المخضرم بوبي جاين — الشريك السابق في “ميلينيوم مانجمنت” — بواقع صعب كشف عن العقبات الكبيرة التي تواجه الوافدين الجدد في قطاع متعدد الاستراتيجيات يهيمن عليه عدد محدود من الكبار.

نتائج باهتة مقارنة بالعمالقة

في عامه الأول، حقق “جاين غلوبال” عائداً لا يتجاوز 2.7%، وهو أداء متواضع بالمقارنة مع عائدات “ميلينيوم” و”سيتادل”، اللذين تجاوزا 9% خلال الفترة نفسها. ومع أن البعض يرى أن هذا الأداء كان ضمن التوقعات الأولية، إلا أنه يُسلّط الضوء على الصعوبات التي تواجه من يحاول بناء مؤسسة مالية جديدة في بيئة تنافسية مرهقة ومكلفة.

نموذج طموح في بيئة غير مواتية

اختار جاين أن يبني شركته الجديدة على طراز ما يُعرف بـ”البود شوبس” — أي صناديق التحوّط متعددة الفرق والاستراتيجيات — وهو النموذج الذي أثبت نجاحه في صناديق كبرى مثل “سيتادل” و”ميلينيوم”. لكن على عكس منافسيه الذين بدأوا بتخصص محدد ثم توسعوا تدريجياً، أطلق “جاين غلوبال” عملياته بسبعة أقسام مختلفة منذ اليوم الأول، شملت الأسهم الأساسية، والمراجحة، والسلع، والاستراتيجيات النظامية، وأسواق آسيا والمحيط الهادئ، والائتمان، إضافة إلى السياسات النقدية وأسواق الفائدة.

تمويل جزئي وهيكل معقّد

رغم أن الصندوق نجح في جمع التزامات استثمارية بقيمة 5.3 مليار دولار، إلا أنه لم يتمكن من تفعيل كامل المبلغ منذ البداية، إذ اتبع نموذج “السحب المرحلي” الذي يشبه أسلوب شركات الاستثمار المباشر. هذا النمط أعطى للمستثمرين الكبار نفوذاً تفاوضياً، وأجبر “جاين غلوبال” على خفض رسوم الأداء لمن يكتبون شيكات أكبر. من بين أكبر الممولين: جهاز أبوظبي للاستثمار، وأحد الصناديق الوقفية الجامعية الأمريكية.

تكاليف مرتفعة وتباطؤ في التوظيف

المعضلة الكبرى التي واجهها جاين أنه بدأ بتكاليف تشغيل مرتفعة تناسب صندوقاً بحجم 5 مليارات دولار، بينما كان رأس المال المستخدم فعلياً في التداول لا يتجاوز نصف هذا الرقم. هذا يعني أن الشركة تحملت “عبء التكاليف الكامل بدون أن تحصد المكاسب المتوقعة”، بحسب مصدر مطلع على الاستراتيجية. وتفاقمت الأمور بسبب العقود غير التنافسية التي أخّرت انضمام بعض كبار المتداولين لفترة اقتربت من عامين.

انشقاقات داخلية وتحديات ثقافية

في الشهور الماضية، غادر عدد من الكوادر المهمة الشركة، من بينهم بول جيفريز، المسؤول عن إعادة التوازن في المخاطر، بالإضافة إلى رئيس التكنولوجيا مات كروي، وفريق تداول يركّز على استراتيجيات الأحداث بقيادة جوش كلاف. رغم أن حجم الاستقالات لا يمثل سوى نسبة صغيرة من إجمالي القوة العاملة — التي بلغت نحو 380 موظفاً — إلا أنها كشفت عن صعوبات في خلق ثقافة تنظيمية موحدة. بعض المطلعين وصفوا بيئة العمل في “جاين غلوبال” بأنها أقرب للبنوك منها لصناديق التحوّط.

محاولات تصحيح المسار وجذب المواهب

رغم الصعوبات، واصل الصندوق توظيف مديري محافظ جدد، أبرزهم نيل بلايفير (من “إكسودس بوينت”) وهربرت فيليو (من “مورغان ستانلي”)، إضافة إلى متداولي مراجحة مثل كيفن سالمون وميخائيل وونغ. ومن اللافت أن الأداء تحسّن منذ بداية 2025، حيث حقق الصندوق عائداً بلغ 2.2%، وهي نسبة تقترب من أداء “ميلينيوم” و”سيتادل” رغم أن رأسماله لم يُنشر بالكامل بعد.

دروس من تجارب سابقة وأمل في المستقبل

صندوق “إكسودس بوينت”، الذي أُطلق في 2018 بأكثر من 8 مليارات دولار، واجه مساراً مشابهاً، حيث استغرق سنوات قبل أن يحقق أداءً مقنعاً. لكنه حقق في العام الماضي فقط عائداً بلغ 18.1%، فيما حقق “بالياسني” نحو 15.6%. هذه التجارب تدعم الرواية القائلة بأن صندوق “جاين غلوبال” لا يزال في بداياته، وأنه يحتاج إلى “فترة سماح” قبل الحكم عليه.

مرونة نسبية في شروط الاسترداد

رغم أن “جاين” فرض فترة حجز لرأس المال تستمر عامين، إلا أن ذلك يبقى أقل صرامة من منافسيه “سيتادل” و”ميلينيوم” اللذين يفرضان فترات تمتد إلى أربع وخمس سنوات على التوالي. وهذا يمنحه بعض المرونة، وإن كانت أقل حماية من موجات استرداد سريعة.

الطموح الكبير والواقعية القاسية

في النهاية، يبدو أن التحدي الأكبر أمام بوبي جاين لم يكن جمع الأموال أو هيكلة الشركة، بل إدارة التوقعات. حجم الإطلاق الكبير رفع سقف الآمال، وجعل المقارنة مع عمالقة القطاع حتمية. لكن كما قال أحد المستثمرين: “المشكلة مع جاين ليست أنه لا ينجح، بل أن الناس توقعوا أن يكون ناجحاً منذ اليوم الأول”.

أقرا أيضا

اقتصادي لـ ” العالم في دقائق”  استمرار تراجع أسعار المنتجين الصناعية في البرتغال يدعم تنافسية الاقتصاد

نوران الرجال

نوران الرجال باحثة اقتصادية وكاتبة صحفية متخصصة في شؤون النقل البحري والاقتصاد البحري، وتشغل عضوية لجنة النقل البحري بالجمعية العمومية العلمية للنقل. كما تتولى منصب المدير العام لمركز العربي للأبحاث البحرية والاستراتيجية، حيث تسهم في صياغة الرؤى وتقديم الدراسات الداعمة لتطوير قطاع النقل البحري في المنطقة العربية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى