الاقتصاد

تخفيض الأسعار المفرط يُنذر بخطر اقتصادي على الصين ثاني أقوى اقتصاد عالميًا

بكين تحذر من فوضى الأسعار والمنافسة التي تهدد اقتصادها

تخفيض الأسعار بشكل مبالغ فيه أصبح مؤخرًا محور التحذيرات الصادرة من الحكومة الصينية، في ظل تصاعد المخاوف من تأثيره على استقرار ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

فقد وجّهت بكين تحذيرًا رسميًا إلى كبرى شركات السيارات الكهربائية، داعية إلى وقف سياسات خفض الأسعار العشوائية، وسط تنبيهات جدية من مخاطر الإفراط في الإنتاج والتنافس المحموم الذي قد يؤدي إلى زعزعة أسس النمو المستدام.

يعكس هذا التحذير، الذي جاء من أعلى هرم السلطة بما في ذلك الرئيس شي جين بينغ، قلقًا ليس فقط اقتصاديًا، بل أيضًا سياسيًا حول مستقبل نموذج التنمية الصيني القائم على التوسع السريع والوفرة الصناعية.

الرئيس شي جين بينغ يوجه انتقادات لاذعة: “التوسع غير المدروس خطر داخلي”

في موقف نادر، أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ تصريحات صريحة وغير معتادة خلال خطاب رسمي، حيث انتقد الحكومات المحلية بسبب اندفاعها الكبير نحو ضخ استثمارات ضخمة وغير مدروسة في قطاعات مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة وصناعة السيارات الكهربائية.

في خطاب آخر ألقاه في 23 يوليو، شدد شي على ضرورة وقف ما وصفه بـ”دائرة الإنفولوشن” – مصطلح صيني يُشير إلى العمل المفرط دون إنتاجية حقيقية – مؤكدًا أن تخفيض الأسعار لم يعد أداة منافسة صحية، بل بات عامل تهديد للاستقرار الداخلي والتنمية طويلة المدى.

BYD وXPeng على خط النار: الشركات الكبرى تتلقى تحذيرات رسمية

تحرّكت الهيئات التنظيمية الصينية سريعًا لمواجهة الفوضى التسعيرية، فاستدعت عددًا من كبار منتجي السيارات الكهربائية في البلاد، وفي مقدمتهم شركة BYD، التي تُعد المنافس الأبرز لتيسلا في السوق المحلي والعالمي.

الهدف من الاستدعاء هو توجيه رسائل واضحة حول ضرورة وقف الإفراط في الإنتاج ومراجعة سياسات تخفيض الأسعار التي أصبحت عبئًا على السوق.

تشير تقارير صادرة عن مؤسسات مثل Hutong Research إلى أن الجهات الرقابية بدأت تنفيذ خطوات جدية للسيطرة على حالة التشبّع في السوق.

ضمن هذا السياق، خفضت BYD سعر سيارتها “Seagull” بنسبة 20% ليبلغ حوالي 5,800 جنيه إسترليني، كما طرحت شركة Great Wall Motors طرازًا جديدًا من “Ora 3” بسعر منخفض جذريًا مقارنة بالإصدارات السابقة.

تعديل قانون الأسعار: خطوة أولى نحو كبح الفوضى التسعيرية

ضمن محاولاتها للسيطرة على تصاعد حدة المنافسة، كشفت الحكومة الصينية عن مسودة تعديل جديدة لقانون الأسعار، وهو الأول من نوعه منذ عام 1998.

يهدف التعديل إلى تنظيم السوق من خلال تقنين “الممارسات التسعيرية غير العادلة”، وتقييد الحملات الترويجية المبالغ فيها، ووضع ضوابط صارمة على هيمنة الشركات التي تسعى لجذب العملاء بأسعار خاسرة.

مع ذلك، فإن عددًا من المحللين يشككون في مدى جدية الحكومة في تنفيذ هذه التعديلات، مستندين إلى سجل سابق من التهاون مع الممارسات التجارية في القطاعات الاستراتيجية.

أزمة هيكلية وراء الحمى الاستثمارية: دعم محلي لشركات غير رابحة

تُبرز تصريحات الخبيرة الاقتصادية أنطونيا حمايدي بعدًا آخر للأزمة، مشيرة إلى أن الخلل لا يكمن فقط في الأسعار، بل في البنية الاقتصادية نفسها، حيث تقوم الحكومات المحلية بدعم شركات غير رابحة فقط للحفاظ على معدلات التوظيف والنمو الصناعي.

تضيف حمايدي أن العديد من مصنّعي السيارات الكهربائية يعملون ضمن بيئة اقتصادية غير مربحة، تعتمد على تمويلات محلية تؤجل الانهيار لكنها لا تحل المشكلة.

لذلك، فإن مجرد التحذير من المركز قد لا يكون كافيًا لكبح جماح التصرفات المحلية، ما لم تتوفر بدائل تنموية حقيقية تُقنع المناطق المتضررة بتغيير استراتيجياتها.

التوجه نحو التصدير: توترات جديدة مع أوروبا وأمريكا

أمام اختناق السوق المحلي، تبرز استراتيجية “تصدير الفائض” كأحد الحلول الضمنية التي قد تلجأ إليها الصين لتخفيف الضغط الداخلي.

هذه الاستراتيجية قد تؤدي إلى احتكاك سياسي وتجاري متزايد مع الشركاء الدوليين، خصوصًا الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

في عام 2024، فرض الاتحاد الأوروبي رسومًا جمركية تصل إلى 45% على السيارات الكهربائية الصينية، مما أثار رد فعل غاضب من بكين. وعلى الرغم من ذلك، قامت الشركات الصينية بتعديل استراتيجياتها سريعًا، مع التركيز على السيارات الهجينة القابلة للشحن.

تمكنت خلال شهر يونيو من الاستحواذ على 10% من سوق السيارات الكهربائية في أوروبا، وهو مؤشر على مرونة الصناعات الصينية في مواجهة العقبات الخارجية.

الحزب الشيوعي يُراجع استراتيجياته: التوازن بين الابتكار والاستقرار

في الاجتماع الأخير للمكتب السياسي بالحزب الشيوعي، ناقش المسؤولون ضرورة ضبط المنافسة الاقتصادية “غير المنضبطة”، دون الإشارة المباشرة لحملة مكافحة “الإنفولوشن”.

تُظهر هذه التصريحات غير المباشرة التحدي الكبير الذي تواجهه بكين في موازنة أهدافها المتضاربة: من جهة دعم الابتكار الصناعي والنمو، ومن جهة أخرى الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

مع تزايد الضغوط الناتجة عن سياسات تخفيض الأسعار، يبقى الخطر قائمًا من انزلاق الاقتصاد نحو الركود، بدلًا من تحفيز الطلب المحلي أو الحفاظ على الحصة السوقية العالمية.

اقرا ايضا:

 “حرب الرسوم الجمركية لترامب: كيف تحولت صناعة السيارات الأمريكية من المستفيد الموعود إلى الخاسر الأكبر” 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى