لن يكون هناك سلام بلا اعتراف: صرخة فلسطيني فقد أحباءه في غزة
في أقل من شهرين، فقد أحمد نجار اثنين من أحبائه

في أقل من شهرين، فقد أحمد نجار اثنين من أحبائه في غزة. ابنته أخيه “جوري”، ذات الستة أعوام، قُتلت تحت وابل القصف، بينما كانت أختها تنجو بإصابات بالغة، ووالدها يحاول المشي مجددًا على ساقين مهشمتين. قبل أسبوع فقط، سقط علي، ابن شقيقه، ذو الستة عشر عامًا، قتيلًا إثر قصف بطائرة مسيّرة مزّق جسده أمام منزله الأخير، بينما كان يجلس على كرسي بلاستيكي يحاول استنشاق الهواء بعد يوم من الحرارة الخانقة.
هذا ليس وصفًا مجازيًا. علي قُطّع نصفين. لم يكن مسلحًا، لم يكن مختبئًا، لم يكن “درعًا بشريًا”. فقط… كان يجلس في صمت.
لا أخطاء في الموت المتعمّد
الطائرة المسيّرة لم تخطئ الهدف. راقبت، حدّدت، ثم أطلقت. لم تكن ضربة عشوائية، بل استهدافًا محسوبًا، صامتًا، دقيقًا، وقاتلًا. لم يصدر عن الغرب أي بيان. لا مؤتمرات صحفية، لا مسيرات شموع، لا استنكار. فقط صمت عالمي عميق، يزيد من وطأة الألم.
بين باريس وغزة: عندما يصبح الحديث عن السلام مهينًا
رغم الألم، قَبِل نجار دعوة لحضور مؤتمر سلام في باريس. كان يأمل في أن يكون الحديث عن وقف المجازر صادقًا. لكنّه صُدم: معظم الإسرائيليين الحاضرين رفضوا حتى الاعتراف بأن ما يجري في غزة إبادة جماعية. البعض تجرأ على الاعتراف همسًا، كأنها جريمة أن تقول الحقيقة.
ما فائدة الحديث عن “السلام” إذا لم يعترف أحد بوجود المجزرة؟ كيف يمكن البناء على جراح غير معترف بها أصلًا؟
العزلة وسط الجمع: حتى بعض الفلسطينيين صمتوا
لم يكن التجاهل حكرًا على الإسرائيليين. حتى بعض الفلسطينيين من مناطق أخرى تجنّبوا الحديث عن غزة وكأنّها عبء على “رؤية السلام”. كان نجار يشعر بأنه يفسد النقاشات بكلماته “الواقعية”. هو لم يأتِ ببنود خيالية… فقط أراد أن يبقي عائلته على قيد الحياة.
فكرة التهجير من جديد… مقترحة على الطاولة
في لحظة صادمة، اقترحت إحدى المشاركات الإسرائيليات “مغادرة سكان غزة مؤقتًا” حتى تُبنى منازلهم مجددًا. كانت تتحدث عن النفي كما لو كان خيارًا منطقيًا، متناسية ما حدث في 1948. وعندما ردّ نجار باقتراحهم “الإقامة المؤقتة في صحراء النقب والعودة لاحقًا”، غضبت قائلًة: “أنت لا تريد السلام”، ثم غادرت القاعة.
حتى أنبل الأصوات الإسرائيلية عاجزة عن قول الكلمة الحاسمة
التقى نجار أيضًا سيدة إسرائيلية تأثرت شخصيًا بهجوم 7 أكتوبر، وكانت صادقة ومتألمة. اعترفت بأن معظم الإسرائيليين أصبحوا أكثر عداءً للفلسطينيين، لكنها لم تستطع النطق بكلمة “إبادة”. حتى هؤلاء الذين يؤمنون بالسلام، يتوقفون أمام الكلمة الحاسمة.
فكيف يكون هناك أمل إذا كان حتى الأكثر “تقدمية” غير قادرين على الاعتراف بالواقع؟
لا سلام بلا شجاعة ولا عدالة بلا اعتراف
نجار لا يكتب مدفوعًا بالغضب، بل بالعزيمة. يقول: “السلام لن يُبنى على الصمت أو الإنكار. ولن يتحقق بينما يُعامل الفلسطينيون كأجساد قابلة للمحو”. السلام الحقيقي يبدأ بالاعتراف، بالعدالة، وبحل سياسي يضمن الكرامة والحرية والحق في الحياة.
ما لم يُقال في المؤتمرات
حين سُئل: ما المطلوب لبناء سلام حقيقي؟ أجاب نجار بجملة بسيطة وعميقة:
“أن نقف وجهًا لوجه، فلسطينيين وإسرائيليين، ونقول لبعضنا: كنا مخطئين. كنا متواطئين. ونختار شيئًا أفضل”.
حتى ذلك الحين، لا مؤتمر، ولا مبادرة، ولا خطاب سيمنح الفلسطينيين السلام… طالما يُطلب منهم أن يصمتوا حتى عن موت أبنائهم.
إقرأ ايضَا: