روسيا بين بوتينية متشددة وفاشية مقنّعة: قراءة في المشروع التوسعي ضد أوكرانيا.
سياسات الكرملين في الداخل والخارج تثير تساؤلات حول طبيعة النظام الروسي: هل نحن أمام نسخة محدثة من الفاشية الأوروبية؟

منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، تصاعد الجدل السياسي والفكري حول توصيف النظام الحاكم في روسيا. هل يقود فلاديمير بوتين دولة سلطوية قومية تقليدية، أم أن روسيا باتت تُجسّد نسخة جديدة من الفاشية المعاصرة؟ الباحثون الغربيون يشيرون إلى أن الممارسات الروسية، خصوصاً في المناطق الأوكرانية المحتلة، تتقاطع بشكل مثير للقلق مع نماذج الأنظمة الفاشية الكلاسيكية في أوروبا في القرن العشرين.
ثلاث زوايا لفهم “الفاشية البوتينية”
يرى محللون أن توصيف نظام بوتين بـ”الفاشي” لا ينطلق من منطلق واحد، بل من ثلاث زوايا رئيسية:
1. منظور تاريخي: مقارنة الأنظمة الاستبدادية القديمة بالنموذج الروسي الحالي.
2. منظور وجداني شعبي: لدى الأوكرانيين، “فاشية روسيا” تمثل صدى لمعاناتهم اليومية من القمع والتهجير.
3. منظور أكاديمي مقارن: يربط بين الديناميكيات السياسية في روسيا وتلك التي اتسمت بها الفاشيات الأوروبية في بداياتها.
وبينما تختلف الأدوات، تتشابه الأهداف: التوسّع، فرض الهوية القومية، وسحق التعددية السياسية والثقافية.
تصعيد داخلي وخارجي: قمع ممنهج وتوسّع عدواني
منذ بداية الحرب، اعتمدت روسيا مزيجاً واضحاً من القمع الداخلي والسيطرة الخارجية.
داخلياً:
مركزية السلطة
قمع المعارضة
عسكرة المجتمع
تجريم التعبير الحر
خارجياً:
خصوصاً في أوكرانيا، يُلاحظ مشروع متكامل لإعادة تشكيل المجتمعات وفق الهوية الروسية، من خلال تغييرات في التعليم، الإعلام، الرموز الثقافية، وحتى اللغة.
“راشية”: اللغة سلاح المقاومة الأوكرانية
رداً على العدوان الروسي، طوّر الأوكرانيون مفردات تعكس الألم والمقاومة. من أبرزها مصطلح “راشية”، وهو دمج ساخر بين “روسيا” و”فاشية”، ليعكس واقع الاحتلال بطريقة وجدانية وسياسية. أصبح هذا التعبير أداة في الحرب النفسية والإعلامية، يستخدم للتأكيد على أن أوكرانيا لا تواجه فقط غزواً عسكرياً، بل مشروعاً قمعياً شمولياً يستهدف هويتها الوطنية.
الجدل الأكاديمي: هل الفاشية تنطبق على بوتين حقاً؟
رغم الاتهامات السياسية المتكررة، لا يزال بعض الأكاديميين مترددين في توصيف نظام بوتين بـ”الفاشي”. الفاشية من منظور نظري تستلزم “ثورة قومية” لتشكيل هوية جديدة، في حين أن بوتين – بحسب هؤلاء – يسعى فقط لاستعادة أمجاد الإمبراطورية الروسية وليس لتأسيس هوية جديدة كلياً. هذا الرأي يدفع باتجاه اعتبار بوتين زعيماً سلطوياً محافظاً لا فاشياً بالمعنى الثوري الكلاسيكي.
فاشية ميدانية: سياسات روسية في الأراضي المحتلة
ما يجري في المناطق الأوكرانية المحتلة يُعد شاهداً حياً على سياسات قمعية ممنهجة:
فرض اللغة الروسية.
إعادة صياغة المناهج التعليمية.
تجريم الرموز الأوكرانية.
مكافأة الولاء ومعاقبة المعارضين.
هذه السياسات تُذكّر بأساليب الفاشيات الأوروبية القديمة التي سعت إلى محو الهويات المحلية لصالح “الأمة الموحدة”.
الأسطورة الروسية: إنكار وجود أوكرانيا كأمة
في قلب الخطاب الروسي هناك سردية ترى أن أوكرانيا ليست دولة مستقلة، بل مجرد امتداد لروسيا. هذه الرؤية تُستخدم كتبرير أيديولوجي للغزو، ولتطبيق مشروع إعادة تشكيل سياسي وثقافي واجتماعي في تلك المناطق، وهو ما يجعل من الاحتلال الروسي مشروعاً إمبريالياً يُهدّد أسس الهوية الوطنية الأوكرانية.
أقرأ أيضاً: