عربي وعالمي

عودة الملكية الدستورية في إيران: خيار واقعي أم حنين تاريخي؟

خيار الملكية الدستورية يعود إلى واجهة المشهد الإيراني

في ظل تصاعد الضغوط الداخلية والانقسامات الحادة داخل النظام الإيراني، وبعد عقود من القمع السياسي والإخفاق الاقتصادي، أعيد طرح خيار الملكية الدستورية في إيران باعتباره بديلاً سياسياً مدنياً يلقى اهتماماً متزايداً.

ورغم أن هذا الخيار كان لسنوات طويلة مجرد نزعة نوستالجية بين الشتات الإيراني، إلا أن تزايد شعبية ولي العهد رضا بهلوي وتوسع حالة الغضب الشعبي ضد الجمهورية الإسلامية جعلاه يُطرح الآن كبديل واقعي، بل وأقرب الخيارات للانتقال السلمي والديمقراطي.

الضربة العسكرية الأخيرة التي وجهتها إسرائيل للحرس الثوري، والتي عُرفت بـ”عملية الأسد الصاعد”، كشفت هشاشة بنية النظام الإيراني أمام التحديات الداخلية والخارجية.

وبينما تترنح الأجهزة الأمنية والعسكرية تحت الضغوط، أطلق رضا بهلوي خطابًا صريحًا للشعب الإيراني قائلاً: “الآن هو وقت النهوض وقت استعادة إيران”.

أثارت هذه الكلمات نقاشاً واسعًا، ووجدت صدى متزايدًا بين شرائح متعددة من المجتمع الإيراني الباحثة عن مخرج من الدولة الثيوقراطية.

اقرا ايضا:

نجاح أمريكي في إيران.. فوز تكتيكي أم بداية لفوضى استراتيجية؟

شرعية تتآكل واحتجاجات بلا نهاية

في السنوات الأخيرة، شهدت شرعية النظام الإيراني تراجعًا متسارعًا على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

الاقتصاد يعاني من العقوبات وسوء الإدارة، والحريات السياسية في حالة تدهور مستمر، بينما تكررت الاحتجاجات الشعبية، وامتدت لتشمل مناطق ونخب كانت يومًا داعمة للنظام.

هذا المناخ المتأزم وفّر بيئة خصبة لطرح بدائل سياسية غير تقليدية، وعلى رأسها عودة الملكية الدستورية في إيران، كنموذج علماني ديمقراطي يقوم على الانتخابات، واحترام الحقوق الفردية، دون أن يحمل أعباء أيديولوجية.

رضا بهلوي، ابن الشاه الراحل، يقدم نفسه كصوت سياسي جامع، لا يفرض نموذج حكم معين، بل يدعو إلى حوار وطني شامل يحدد من خلاله الشعب شكل النظام السياسي الجديد.

كسر التابوهات: الملكية خيار قابل للنقاش

كانت فكرة عودة الملكية، لعقود، من المحرمات السياسية في إيران، لكن التحول الأبرز خلال السنوات الأخيرة أن هذا الطرح لم يعد يُقابل بالسخرية أو التجاهل.

بل صار جزءًا من النقاش السياسي الجاد، العديد من الإيرانيين بدأوا ينظرون للملكية، لا كاستبداد قديم، بل كإطار مؤسسي يوفر الاستقرار، ويسمح بانتقال آمن للديمقراطية، بعيدًا عن خطر الحرب الأهلية أو الانهيار المؤسساتي الكامل.

الحديث هنا لا يدور عن استعادة النظام القديم كما هو، بل عن ملكية دستورية في إيران تشبه نماذج ناجحة عالميًا، تجمع بين الهوية الوطنية والشرعية الشعبية، وتعيد التوازن المفقود في البلاد.

دروس من التاريخ: ثورة بلا مكاسب

الثورة الإسلامية في عام 1979، التي أطاحت بالشاه محمد رضا بهلوي، توصف اليوم من قبل كثيرين بأنها “ثورة انتحارية” وقعت في ذروة ازدهار اقتصادي وسياسي كان يمكن أن يُطور تدريجيًا، اختار الإيرانيون آنذاك شعارات ثورية راديكالية بإيعاز من النخب اليسارية والدعم الغربي.

لكن النتيجة كانت قيام نظام ديني قمعي أدخل البلاد في عزلة دولية وانهيار اقتصادي دائم، حتى كلمات الشاه الراحل حين قال إن “الوفرة هي التي دفعت الناس للثورة” تبدو اليوم أكثر واقعية، خاصة في ظل ما تعيشه إيران من ضغوط معيشية وغياب شبه كامل للحريات.

مسؤولية النخب الغربية في الانهيار

لا يمكن تجاهل الدور الذي لعبته النخب الثقافية والفكرية الغربية في دعم الثورة الإسلامية. فمفكرون مثل جان بول سارتر وميشيل فوكو قدّموا إيران حينها كنموذج تحرري ضد الإمبريالية، لكن هذا الدعم أفضى لانهيار دولة مؤسسات واستبدالها بحكم ثيوقراطي.

المفكر البريطاني الراحل روجر سكروتن تساءل لاحقًا بسخرية: “من يتذكر الهستيريا الغربية ضد الشاه؟ ومن يعترف اليوم بدورهم في دفع إيران نحو الهاوية؟”

صعود رضا بهلوي: بديل مدني توافقي

يطرح رضا بهلوي نفسه بذكاء كجسر بين الماضي والحاضر، لا كملك قادم. هو يركز على ثلاث ركائز واضحة: الحفاظ على وحدة الأراضي الإيرانية، إقامة دولة علمانية تحترم الحريات، والوصول إلى نظام جديد من خلال استفتاء شعبي حر.

استطلاعات الرأي تشير إلى أن بين 50 إلى 70% من الإيرانيين يدعمون هذا التوجه، ما يعكس تبدلًا واضحًا في المزاج العام.

المؤسسات الإيرانية ما زالت على أسس بهلوية

ورغم سقوط الملكية قبل أكثر من أربعة عقود، لا تزال البنية الأساسية للدولة الإيرانية – في التعليم، والبنية التحتية، والرعاية الصحية – قائمة على الأسس التي وضعها رضا شاه وابنه محمد رضا.

هذا الإرث يجعل خيار الملكية الدستورية في إيران أكثر واقعية، لأنه ليس ارتدادًا لماضٍ ميت، بل عودة لهيكل مؤسساتي لا يزال فاعلاً.

النموذج العالمي: الملكية الدستورية كضمان للاستقرار

الربط بين الملكية والاستبداد أصبح مغلوطًا أمام تجارب دول مثل السويد والنرويج وهولندا وبريطانيا. فهذه الدول، رغم نظامها الملكي، تُعد من الأكثر ديمقراطية واستقرارًا في العالم.

إيران بتنوعها الإثني والديني والجغرافي قد تجد في هذا النموذج حلاً جامعًا يضمن التوازن والاستقرار، دون العودة لثيوقراطية أو فوضى ثورية.

الرغبة الشعبية تتجاوز الحنين

الحنين للماضي جزء من الظاهرة، لكن الأهم هو التطلع إلى نموذج جديد يضمن الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية.

الإيرانيون باتوا أكثر واقعية وانفتاحًا على النماذج التي تجمع بين الهوية والتقدم، وبين الحداثة والجذور التاريخية، الملكية الدستورية في إيران تظهر كخيار براغماتي وليس نوستالجي فقط.

استفتاء شعبي هو الحل النهائي

رضا بهلوي لا يدعو إلى التتويج المباشر، بل إلى استفتاء حر ونزيه يُحدد فيه الشعب شكل النظام السياسي المقبل.

بهذا، تتحول الملكية الدستورية من مجرد طرح فردي إلى مشروع مؤسسي لبناء دولة قانون، قادرة على إنهاء عقود من القمع والانقسام، وبداية عهد جديد من التعايش والديمقراطية.

اقرأ أيضا

النفط الروسي يعود إلى الواجهة: هل تُنقذ بلدة شفيدت من الانهيار؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى