عربي وعالمي

حرب المعابد تعود: تايلاند تخلي 100الف شخص وسط اعنف مواجهات حدودية مع كمبوديا منذ عقد

اشتباكات حدودية بين تايلاند وكمبوديا تُخلي 100 ألف شخص

تصاعدت التوترات الكامنة على الحدود التايلاندية الكمبودية إلى اشتباكات مسلحة غير مسبوقة منذ أكثر من عشر سنوات، ما دفع السلطات التايلاندية إلى إجلاء أكثر من 100 ألف مدني من المناطق الحدودية الشرقية. وبينما تبادلت الدولتان الاتهامات بشأن من بدأ الهجوم، اتسع نطاق الاشتباكات ليشمل استخدام المدفعية الثقيلة والطائرات المقاتلة، وسط تحذيرات دولية من انزلاق الوضع نحو مواجهة إقليمية أشمل. النزاع الذي لطالما كان يختبئ تحت سطح الخلافات التاريخية بشأن المعابد والمناطق المتنازع عليها عاد ليكشف هشاشة التفاهمات بين الجارتين، ويضع قيادتي البلدين في مواجهة اختبار معقد داخليًا وخارجيًا.

خريطة تايلاند                                                                    

اشتباكات مفاجئة بعد شهور من التوتر الصامت

بدأت المواجهات صباح الخميس بعد شهور من التوتر المتصاعد على طول الحدود الممتدة لمسافة 800 كيلومتر. الجيش التايلاندي أعلن أن القوات الكمبودية بدأت قصفًا مدفعيًا مكثفًا باستخدام راجمات BM-21، ما دفع القوات التايلاندية للرد بنيران “دعم مناسبة وفقًا للموقف الميداني”. التصعيد وقع في إقليمي “سيساكيت” و”سورين”، وهما من أكثر المناطق حساسية على الخريطة الحدودية بين البلدين.

 

حصيلة القتلى والخسائر البشرية

بحسب بيانات الجيش التايلاندي، قُتل 14 شخصًا، بينهم جندي، وأُصيب عشرات آخرون في القصف الكمبودي. وفي المقابل، أعلنت سلطات محلية كمبودية مقتل مدني واحد وإصابة خمسة آخرين بنيران الجانب التايلاندي. وتُظهر الصور القادمة من الحدود آلاف العائلات وهي تحتمي في المدارس وصالات الألعاب الرياضية، في مشهد يعيد إلى الأذهان مشاهد النزوح في نزاعات سابقة بالمنطقة.

استخدام الطائرات المقاتلة يرفع سقف التصعيد

في تطور لافت، شنّت تايلاند غارات جوية باستخدام مقاتلات F-16 ردًا على ما وصفته بـ”استهداف كمبوديا لمرافق مدنية، بينها مستشفى”. هذه الخطوة تمثل تصعيدًا خطيرًا في النزاع، خاصة أنها المرة الأولى منذ سنوات التي تُستخدم فيها الطائرات في اشتباكات الحدود بين البلدين. ويدل ذلك على تحول الاشتباك من مجرد مناوشات أرضية إلى مواجهة مفتوحة قد تشمل مجمل القدرات العسكرية للطرفين.

 

خلافات تاريخية تعود للواجهة

النزاع بين تايلاند وكمبوديا ليس جديدًا، بل يعود لعقود طويلة، ويتمحور حول عدد من المعابد القديمة، أبرزها “برياه فيهيار” الذي يعود للقرن الحادي عشر. المحكمة الدولية كانت قد منحت السيادة عليه لكمبوديا عام 1962، لكن محيطه ظل موضع نزاع دائم. في عام 2011، أدى اشتباك قرب المعبد إلى مقتل 20 شخصًا، وها هو التاريخ يعيد نفسه اليوم بشكل أكثر عنفًا.

 

تصعيد سياسي يعقّد الحلول الدبلوماسية

الأزمة الحالية لا تنفصل عن تحولات سياسية داخلية في كلا البلدين. في تايلاند، تواجه رئيسة الوزراء بايتونغتارن شيناواترا ضغوطًا شديدة بعد تسريب مكالمة هاتفية لها مع رئيس الوزراء الكمبودي السابق هون سين، وُصفت بأنها “مفرطة في التودد” وأثارت غضب المؤسسة العسكرية. المحكمة الدستورية علّقت عملها حاليًا للنظر في ما إذا كانت قد خالفت المعايير الأخلاقية، وهو ما يهدد بتعميق الأزمة الداخلية التايلاندية وسط التصعيد الحدودي.

 

التهديد بتجميد العلاقات التجارية

مع تعمق التوتر، بدأت التهديدات المتبادلة تتعدى الجانب العسكري. كلا البلدين لوّح بإمكانية قطع العلاقات التجارية الثنائية، ما ينذر بآثار اقتصادية متبادلة في قطاعات الزراعة والسياحة والنقل الحدودي. وكانت المنطقة قد شهدت تعافيًا اقتصاديًا نسبيًا بعد سنوات من الإغلاق خلال الجائحة، لكن التصعيد الحالي يهدد بعودة الانكماش، خاصة في المناطق الحدودية الفقيرة.

ردود فعل دولية حذرة

الصين دعت الطرفين إلى “ضبط النفس والحوار”، بينما أعربت الولايات المتحدة عن “قلق بالغ” إزاء التصعيد، خاصة ما يتعلق بالأضرار التي طالت المدنيين. وزارة الخارجية الأمريكية طالبت بـ”وقف فوري للهجمات وحماية المدنيين والتوصل لحل سلمي للنزاع”، في بيان يعكس قلق واشنطن من انزلاق جنوب شرق آسيا إلى صراع طويل الأمد في توقيت دولي بالغ التعقيد.

 

مستقبل غامض.. والحرب أبعد من المعابد

مع استمرار القصف والنزوح، يبدو أن الأزمة مرشحة لمزيد من التصعيد ما لم يتدخل طرف ثالث لفرض وقف إطلاق النار. فالنزاع لم يعد يدور فقط حول معبد أثري أو حدود مرسومة على الخرائط، بل أصبح انعكاسًا لصراع على النفوذ السياسي الداخلي والخارجي، في منطقة لا تزال هشة جيوسياسيًا. وفي ظل صمت إقليمي نسبي، تبقى الكلمة الآن للمدافع لا للدبلوماسية.

اقرا ايضا

هل تستطيع أوروبا الدفاع عن نفسها دون الولايات المتحدة ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى