
رغم أن سياسات دونالد ترامب التجارية كثيرًا ما بدت كعروض مسرحية موجهة لجمهور داخلي، فإن نتائجها تترك أثرًا عالميًا لا يمكن تجاهله، في أحدث فصول هذه السياسة المرتبكة، تراجع ترامب عن إعادة فرض “رسومه الانتقامية” في الموعد المحدد (9 يوليو)، في خطوة قوبلت بلامبالاة في الأسواق، وعكست فوضى القرارات أكثر من حزم الرؤية.
لكن وسط هذه الفوضى، يقدم ترامب “خدمة غير مقصودة” للعالم: نموذج حي على مدى خطورة وعشوائية السياسات الاقتصادية الحمائية، ورسالة تحذير واضحة لأي دولة قد تفكر في تقليد هذا النهج المأزوم.
تهديدات مؤجلة.. أو ملغاة؟
كان ترامب قد حدد موعدًا في يوليو لإعادة فرض رسوم جمركية جديدة على الدول التي يرى أنها لا تعامل الولايات المتحدة بالمثل. لكن الموعد جاء ومر دون تنفيذ فعلي، وسط غموض حول ما إذا كانت القرارات ستؤجل إلى أغسطس أو سبتمبر أو تُنسى تمامًا. حتى الأسواق لم تتفاعل مع “تهديداته”، مدركة أن تلك التهديدات غالبًا ما تكون مجرد عناوين سياسية فارغة.
طرافة الموقف لا تخفي خطورته
في واحدة من أكثر لحظات العبث، أرسل ترامب رسالة تهديد بالرسوم الجمركية إلى ملك تايلاند، على ما يبدو لاعتقاده أن النظام الملكي في البلاد تنفيذي! الحادثة بدت كوميدية، لكنها تسلط الضوء على مدى ارتباك وتعسف منطق إدارة ترامب في قضايا معقدة كالتجارة الدولية.
لا عدوى محتملة لنهج الحماية
رغم أن بعض السياسات الأمريكية المتطرفة تجد أصداء لدى سياسيين في الخارج، فإن نهج ترامب الحمائي لم يغوِ أحدًا. لا توجد حكومة، خاصة في جنوب شرق آسيا، تفكر في تطبيق نفس النموذج. صحيح أن بعض الدول الناشئة فرضت رسومًا مؤقتة لحماية صناعاتها من البضائع الصينية المتدفقة، لكنها لم تتخل عن فلسفة الانفتاح الاقتصادي، بل ظلت تلك الإجراءات استثنائية ومحدودة.
أقرا أيضا
الفريق أسامة ربيع يشهد توقيع بروتوكول بين هيئة قناة السويس وبنك مصر
بريطانيا مثال تحذيري آخر
كما حدث مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، توقّع بعض البريطانيين أن تحذو دول أوروبية أخرى حذوهم. لكن العكس هو ما حدث، إذ تزايد التمسك بالاتحاد الأوروبي لدى باقي الأعضاء، ورُفضت السياسات الشعبوية الاقتصادية باعتبارها غير قابلة للتكرار. الرسوم الجمركية لترامب تسير على نفس الطريق: عبرة لا قدوة.
حين تصبح الصين أكثر انفتاحًا!
في مفارقة لافتة، تستغل الصين انسحاب أمريكا من الريادة في التكنولوجيا الخضراء لتعزز استثماراتها الخارجية وتنشر معرفتها عالميًا، رغم أنها لا تزال تفرض قيودًا كبيرة على الاستثمارات الأجنبية داخلها. لكن حتى الصين لم تتجه نحو نسخة “ترامبية” من الرسوم، بل تواصل استراتيجية أكثر دقة وتكيفًا.
الشركات العالمية في وضع ترقّب
رغم أن الشركات الكبرى ما زالت تجد حيلًا للالتفاف على الرسوم الأمريكية، فإنها لم تتخذ بعد قرارات جذرية بإعادة هيكلة سلاسل الإمداد عالميًا. لكن استمرار الغموض والارتباك في السياسة التجارية الأمريكية قد يدفعها يومًا ما إلى اتخاذ قرارات حاسمة، بعيدًا عن السوق الأمريكية.
من ريادة التجارة إلى عبث الحمائية
في أعقاب الحرب العالمية الثانية، قادت الولايات المتحدة العالم نحو نظام تجاري أكثر تحررًا، متجاوزة حمائية الثلاثينيات. لكن ترامب قاد تحولًا معاكسًا، سحب فيه واشنطن من موقعها القيادي دون أن يجر خلفه أحدًا. حتى من اضطر لتبني بعض التدابير الوقائية، فعلها بدافع الضرورة لا الاقتناع.
الرسالة الأهم: لا أحد يريد تكرار الخطأ
في نهاية المطاف، ربما لا يكون الأهم هو ما إذا كان ترامب سيُنفذ تهديداته الجمركية أم لا، بل الأثر التراكمي لسياساته على الفكرة نفسها. إذ أصبح واضحًا للجميع أن تصعيد الرسوم الجمركية لا يعزز اقتصاد الدولة التي تفرضها، بل يعزلها ويقوض قدرتها التنافسية
أقرا ايضا
خاص|ناجي الشهابي: الشهيد أحمد منسي صنع بدمائه ملحمة خالدة في سجل الشرف الوطني