حين يُخفينا الأصدقاء عن خططهم.. هل نُلام إن طلبنا الانضمام؟
حين يُخفينا الأصدقاء عن خططهم

في لحظات بسيطة من الحياة الاجتماعية اليومية، قد نجد أنفسنا أمام مشهد مألوف يحمل في طياته الكثير من التساؤلات والانفعالات: نحن جالسون مع صديق في مقهى، وفجأة ينضم شخص آخر إلى الطاولة، يتحدث بحماس عن مناسبة قادمة — حفلة أو رحلة — يشارك فيها صديقنا، لكنها لم تصل إلينا كدعوة. هل فاتهم ذكرنا؟ أم تم استبعادنا عمدًا؟ وهل من الغريب أن نسأل إن كان بإمكاننا الانضمام؟
إسقاط شخصي مألوف
هكذا بدأت الكاتبة تجربتها في مقال نشرته صحيفة الغارديان، حيث وجدت نفسها في موقف شعرت فيه بأنها “ليست ضمن القائمة”، ما أثار بداخلها مشاعر الارتباك والقلق والعودة النفسية إلى أيام المدرسة الثانوية. ومع مرور اللحظة، ظل سؤال ملحّ يتردد: هل تم استبعادي عمدًا، أم ببساطة لم أُؤخذ بعين الاعتبار؟
علم النفس يجيب
دراسة حديثة أجراها باحثون أمريكيون، بقيادة دانيال غروسمان من جامعة ميسوري، ألقت الضوء على ظاهرة “دعوة النفس” أو Self-inviting، وكشفت أن أغلب الناس يترددون في طلب الانضمام للخطط الاجتماعية خوفًا من أن يكونوا غير مرغوب فيهم أو أن يبدوا متطفلين. ولكن المفاجأة أن معظم المنظمين لا يمانعون — بل يرحبون غالبًا — بانضمام الآخرين، خصوصًا في الخطط غير الرسمية.
إسقاطات نفسية مبالغ فيها
الباحثون أشاروا إلى أننا نميل إلى المبالغة في تقدير نية الطرف الآخر. فعندما نكتشف أن الأصدقاء نسّقوا خططًا من دوننا، نتخيل أنهم تعمدوا استبعادنا، بينما الواقع يقول إننا ببساطة لم نكن في الحسبان. الأمور اللوجستية مثل إيجاد توقيت مناسب، أو الحجز، غالبًا ما تطغى على اعتبارات الشمول الاجتماعي.
عبء التوقعات الاجتماعية
يشير غروسمان إلى أننا نمارس “الأنانية الإدراكية” — أي الميل إلى الاعتقاد بأن الجميع يراقبنا ويتخذ قرارات بناءً علينا — في حين أن الناس بالكاد يفكرون فينا بهذه الكثافة. وبالتالي، من الخطأ أن نحمل المنظمين مسؤولية عدم شمولنا بكل خطة اجتماعية.
متى يكون الاستبعاد مقصودًا؟
بالطبع، هناك مواقف يتم فيها الاستبعاد عن قصد. غروسمان لا ينكر هذا، لكنه يرى أن تلك المواقف أقل بكثير مما نتصور. ففي معظم الحالات، يكون الغياب عن قائمة المدعوين ببساطة نتيجة نسيان أو سوء تقدير. وغالبًا ما لا يبدي المنظمون حرصًا على إخفاء خططهم إذا ما كانوا يتعمدون الإقصاء.
دعوة النفس.. أسلوبان مختلفان
الباحثون اختبروا أسلوبين من “دعوة النفس”: أحدهما مباشر عبر قول “هل يمكنني الانضمام؟”، والثاني أكثر جرأة مثل “سأنضم لكم”. ووجدوا أن النتيجة لم تختلف كثيرًا، رغم أن الأسلوب الثاني قد يبدو أكثر افتراضًا للترحيب، وربما يثير تحفظًا أكبر.
من يخشى الرفض أكثر؟
الناس الذين يعانون من قلق اجتماعي أو لديهم حساسية مفرطة للرفض غالبًا ما يترددون في المبادرة. أما من يتمتعون بثقة أعلى بالنفس، أو سبق لهم تجربة مجتمعات مختلفة (مثل الانتقال إلى دولة جديدة)، فهم غالبًا أكثر استعدادًا للمبادرة بطلب الانضمام، حتى مع احتمال الرفض.
رفض لا يُنسى
أحيانًا، يكون رفض واحد قديم في الطفولة كافيًا لترسيخ مخاوف مزمنة من تكرار التجربة. رفض قاسٍ أو محرج في سن صغيرة يمكن أن يشكل حاجزًا نفسيًا أمام محاولات المستقبل، حتى لو كانت فرص القبول أكبر بكثير من السابق.
منظمو الخطط أيضًا مسؤولون
الباحثون يقترحون أن يُبادر المنظمون بجعل دعواتهم أكثر وضوحًا وشمولًا، عبر عبارات بسيطة مثل “أنت مرحب بك دائمًا”، والتي تُذيب الكثير من الشكوك والصراعات الداخلية التي يعاني منها البعض. فالتضمين الضمني لا يكفي دائمًا.
علاقة اجتماعية أكثر مرونة
في النهاية، تشير الكاتبة إلى أنها أصبحت أكثر شجاعة في طلب الانضمام للأنشطة بعد انتقالها للعيش في دول جديدة، حيث كان عليها أن تبني حياتها الاجتماعية من الصفر. في موقف لاحق، عندما سمعت أن إحدى صديقاتها ستجرب نادٍ لليوغا، بادرت بسؤالها إن كان بإمكانها الانضمام، وتفاجأت بالترحيب. الأهم من ذلك، أن صديقة أخرى طلبت لاحقًا الانضمام، فوافقت هي أيضًا.
خاتمة: دعوة لبناء الجسور بدل الحواجز
في العلاقات الاجتماعية، نُبالغ كثيرًا في تقدير الرفض ونقلل من استعداد الآخرين للترحيب. لا بأس في أن نسأل، لا بأس أن نطلب، ولا بأس حتى أن نُلمح. فالاتصال الإنساني لا يُبنى على الانتظار، بل على المبادرة. وبين دعوة نسيها الآخرون، وفرصة ضاعت بسبب صمتنا، تظل الشجاعة الاجتماعية مفتاحًا لعلاقات أصدق وأوسع.