مرأة ومنوعات

الحب تحت راية اليسار: كيف تحوّلت السياسة إلى شرط أساسي في المواعدة بين الشباب الأمريكي؟

من رموز البطيخ إلى رفض "الليبراليين" – اليساريون الشباب في نيويورك يضعون السياسة في صميم الحب والعلاقات

في نيويورك، كما في بقية الولايات المتحدة، لم تعد السياسة مجرد نقاش يُثار على العشاء أو خلاف يُترك عند الباب. بل باتت، وبشكل غير مسبوق، محددًا رئيسيًا في قرارات العلاقات العاطفية، خصوصًا لدى الأجيال الشابة.

فمع صعود التيارات اليسارية في المشهد السياسي، وانخراط الشباب في حراك اجتماعي مكثف. بدأت تطبيقات المواعدة تشهد تغيرات لافتة: من بيانات بسيطة عن الهوايات والعمل، إلى إعلانات مصغّرة عن المواقف السياسية والمبادئ الأيديولوجية.

 

لم يعد يكفي أن تكون “ليبراليًا”، بل بات مطلوبًا أن تكون “يساريًا صريحًا”، داعمًا لفلسطين، مناهضًا للرأسمالية، وربما ترتدي قميصًا لمرشح اشتراكي في لقاءك الأول.

وبينما يحتفل البعض بهذا التلاقي بين السياسة والحب. يرى آخرون أن هذا الانزياح قد حول المواعدة إلى اختبار ولاء أيديولوجي، لا يقل تعقيدًا عن أي استجواب حزبي.

 

فوز سياسي يشعل شرارة رومانسية جديدة

كان فوز زهران ممداني، مرشح الحزب الديمقراطي الاشتراكي لمنصب عمدة نيويورك، حدثًا سياسيًا بامتياز. لكن تداعياته تجاوزت صناديق الاقتراع. فبمجرد إعلانه أنه التقى زوجته عبر تطبيق Hinge، اشتعلت حماسة الشباب على مواقع التواصل.

وبدأ البعض يعيد تحميل التطبيق أملاً في أن يعثر على “شريك يساري” مثله. واعتبر البعض أن قصة حب ممداني هي امتداد طبيعي لمشروعه السياسي. بينما رآها آخرون برهانًا على أن “اليسار الرومانسي” ليس فقط فكرة، بل أسلوب حياة.

 

يساريون يرفضون الليبراليين: لا مكان للرمادي

بات مصطلح “ليبرالي” مرفوضًا لدى العديد من مستخدمي التطبيقات اليساريين، إذ يرونه مرادفًا للتيار الوسطي الذي تمثله شخصيات مثل جو بايدن وهيلاري كلينتون وأندرو كومو. على العكس. يعبر كثيرون عن ميلهم لتوصيف أنفسهم بـ”الاشتراكيين”. ويستبعدون تمامًا من يكتفي بوصف نفسه بـ”ليبرالي”، معتبرين ذلك انتماءً غامضًا أو مهادنًا.

 

وفي تطبيقات مثل Hinge، حيث يُطلب من المستخدم تحديد ميوله السياسية، يشعر هؤلاء بأن الاختيارات المتاحة لا تعبّر عنهم حقًا، ويضطرون إلى اللجوء لخيار “آخر”، وهو ما يثير بدوره تساؤلات حول ما يعنيه هذا “الآخر” — هل هو شيوعي أم يميني متطرف؟

 

إشارات الحب الجديدة: من “إيموجي البطيخ” إلى “العداء للشرطة”

مع غياب خانة “يساري” الواضحة في التطبيقات، لجأ المستخدمون اليساريون إلى الرموز غير المباشرة: بطيخ صغير في الملف الشخصي للتعبير عن التضامن مع فلسطين. تحذيرات واضحة بعدم الرغبة في مواعدة مناصري الشرطة أو ترامب، وعبارات لاذعة مثل “لن أواعد TERFs” — في إشارة للنسويات الإقصائيات للمتحولين جنسيًا.

هذه الرموز لم تعد تفاصيل هامشية، بل باتت بمثابة “أعلام أيديولوجية” تحدد من يُسمح له بالدخول إلى دائرة الحب، ومن يُقصى.

 

اليسار ليس مسرحًا للتمثيل: الحذر من “اليساري المتصنع”

رغم هذا الزخم السياسي في عالم المواعدة، هناك من يتوجس من المبالغة. بعض المستخدمين، خاصة من النساء، أشاروا إلى أن هناك من يتبنى الخطاب اليساري لمجرد جذب الشريكات. أو كسب ود “الفتاة البديلة من بوشويك”.

وتقول كارولين، وهي فلاحة من كوينز، إنها تفضل الرمزية على التصريحات الصاخبة. وتجد أن العبارات من قبيل “أحب اللقاحات!” أو “تحيا فلسطين!” قد تبدو مبتذلة إن لم تصدر عن قناعة حقيقية.

تطبيقات المواعدة عبر الهاتف المحمول

 

تطبيقات أخرى أكثر مرونة… ولكنها ليست كافية

رغم أن تطبيقات مثل Tinder وFeeld تسمح بمزيد من الحرية في كتابة السيرة الذاتية، إلا أن خيار التعبير عن المواقف السياسية ما زال محدودًا.

فقد أطلقت Tinder ملصقات خاصة في فترة الانتخابات، مثل “أنا أصوت لحقوق الإجهاض”. لكن كثيرين يرون أنها غير كافية للتعبير عن عمق القناعات اليسارية.

 

الانقسام الحزبي في الحب: أعمق من أي وقت مضى

تشير استطلاعات الرأي إلى أن الفجوة الأيديولوجية بين الشباب في تزايد مستمر، خاصة بين النساء الجيل زد اللواتي يملن إلى الديمقراطيين. والرجال من نفس الجيل الذين يميلون أكثر إلى اليمين.

وقد أظهرت دراسة حديثة أن 60% من الأميركيين بين 18 و24 عامًا يعتقدون أن التوافق السياسي شرط أساسي في العلاقات. وهو ما يعكس كيف باتت السياسة تحدد حتى ما كان يُعد يومًا شأنًا شخصيًا.

 

حفلات مواعدة “اشتراكية”: من الكوكتيل إلى “تعدد العلاقات”

في محاولة لإعادة تعريف الحب ضمن الإطار السياسي، نظّم فرع الحزب الاشتراكي الديمقراطي في نيويورك فعاليات مواعدة خاصة. منها ليلة بعنوان “العزاب الاشتراكيون الجذابين”، قُسم فيها الحاضرون حسب رغبتهم في علاقة “سريعة ومجانية مثل باصات زهران”. أو “بطيئة ومشتعلة مثل فرض ضرائب على الأثرياء”.

حتى غير الأحاديين وجدوا مساحة خاصة للقاء بعضهم البعض في الطابق العلوي. هكذا تتحول الأحزاب السياسية إلى منصات اجتماعية وثقافية، لا تقتصر على الانتخابات بل تمتد إلى تفاصيل الحياة اليومية.

 

اليمين لا يستسلم: المواعدة المحافظة أيضًا تبحث عن بدائل

على الجانب الآخر، يحاول المحافظون في نيويورك خلق مساحاتهم الخاصة بعيدًا عن “اليسارية الزاحفة”. تطبيق “Date Right Stuff”. المدعوم من بيتر ثيل، يقدم نفسه كمنصة للمحافظين الذين “لا ينزعجون من كل شيء”.

ونظم مؤخرًا فعالية في برج ترامب بعنوان “اجعل أمريكا مثيرة مجددًا”. هذه المبادرات تعكس انقسامًا اجتماعيًا عميقًا، حيث أصبح لكل تيار مجاله العاطفي الخاص، بل وربما “طائفته الرومانسية”.

اقرأ ايضا

بول فوت: ثلاث ثوانٍ أنهت 28 سنة اكتئاب – كوميديان يروي لحظة اليقظة التي غيّرت حياته

ياسمين خليل

ياسمين خليل، حاصلة على ليسانس آداب قسم علوم الاتصال والإعلام، تتمتع بخبرة في إدارة المحتوى والتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب مهاراتها في الإعلام والعلاقات العامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى