مرأة ومنوعات

هل خرجت علاقتنا بأجهزة “نينجا” عن السيطرة؟

من مقلاة الهواء إلى صانعة السلاش والآيس كريم... هل نستثمر في الجودة أم نخضع لإدمان استهلاكي مقنّع؟

بينما كانت أجهزة “نينجا” شبه مجهولة قبل عقد من الزمن، أصبحت اليوم علامة تجارية تسيطر على مطابخ الملايين حول العالم. ومع تحقيقها مبيعات قاربت 3 مليارات دولار خلال عام 2024، لم تكن هذه الطفرة نتيجة تطور تكنولوجي بحت، بل تعكس تحولات أعمق في سلوك المستهلك، والضغوط الاقتصادية، وتغيّر أنماط الحياة، وخاصة في البيئات الحضرية الضيقة.الكاتب سامي جيكسويلر، يعترف بإدمانه على منتجات “نينجا”، ويطرح تساؤلًا مشروعًا: هل نحصل فعلًا على قيمة حقيقية مقابل هذا الهوس الاستهلاكي؟ أم أننا نعيش في وهم تكنولوجي يبيعنا الراحة على حساب التقاليد والتنوع؟

 

 

المطبخ الحديث: أدوات كثيرة ومساحة أقل

بدأت رحلة الكاتب مع “نينجا” بدافع الحاجة، لا الرفاهية. في شقته الصغيرة وغير المفروشة، كان الخيار المنطقي هو شراء جهاز واحد يؤدي مهام متعددة. جهاز “فودي” من نينجا، الذي يجمع بين القلي بالهواء، والطهي بالضغط، والتحمير، بدا وكأنه الحل السحري للمعضلة اليومية: كيف أطبخ في مساحة ضيقة وبأقل قدر من الأدوات؟وبينما تقلص متوسط المساحة السكنية للمستأجر البريطاني من 31 مترًا مربعًا في عام 1996 إلى 25 مترًا فقط عام 2017، برزت “نينجا” كرمز لحلول ذكية في مطابخ مزدحمة.

 

من الحاجة إلى الهوس: كيف تُسوق نينجا نفسها؟

نجحت الشركة الأمريكية “SharkNinja” في توظيف أدوات العصر الجديد بذكاء: من مشاهير بحجم ديفيد بيكهام وكريس جينر، إلى مؤثرين صغار على “تيك توك”، حيث تتصدر وصفات “كريمي” – جهاز صنع الآيس كريم – قوائم الترند بوسمٍ حصد أكثر من 240 مليون مشاهدة.ورغم تخصيص الشركة 700 مليون دولار سنويًا للإعلانات، يؤكد الرئيس التنفيذي أنها لم تعد بحاجة للترويج لجهاز “كريمي” مثلًا، بفضل الزخم الاجتماعي الهائل. إنها وصفة نجاح تعتمد على التسويق الفيروسي، أكثر من الإعلانات التقليدية.

الابتكار كمحرك للربح: منتجات جديدة بلا توقف

تستثمر نينجا أكثر من 340 مليون دولار سنويًا في البحث والتطوير، وتعمل فرقها الهندسية – المنتشرة بين أمريكا وبريطانيا والصين – على نحو 60 منتجًا في وقت واحد، تطلق منها 25 منتجًا سنويًا.لكن ليس كل جديد بالضرورة أفضل. جهاز “سلاشي” مثلًا – صانع المشروبات المثلجة الذي بيع بسعر 349.99 جنيهًا إسترلينيًا – كان نجاحه جماهيريًا على الإنترنت، لكنه عمليًا بطيء، لا يُستخدم يوميًا، ويعتمد على كميات كبيرة من السكر.

 

هل تقدم “نينجا” قيمة فعلية؟

وفقًا لمنظمة “ويتش؟” البريطانية المختصة بتقييم المنتجات، فإن أجهزة نينجا – وخاصة المقالي الهوائية والخلاطات وأجهزة الطهي المتعدد – تقدم أداءً جيدًا، لكن بأسعار مرتفعة. ومع أن “كريمي” مثلًا يحظى بشعبية، إلا أن هناك علامات تجارية تقدم جودة مشابهة بسعر أقل، خاصة في أجهزة صنع الآيس كريم أو الأفران المصغرة.

العودة للطهي التقليدي: التكنولوجيا ليست كل شيء

الطاهية التلفزيونية جودي جو ترى أن التكنولوجيا مفيدة، لكن الطهي ليس مجرد نتائج سريعة. بعض التجارب – مثل سماع صوت السمن وهو يتفاعل مع البيض في مقلاة تقليدية – لا يمكن محاكاتها في جهاز مغلق. كما تؤكد أن الطهي بالمقلاة الهوائية لا يُضاهي الطهي العميق التقليدي، فالقوام والنكهة يختلفان.

التكنولوجيا في خدمة الطبقات الاجتماعية

المؤرخة الغذائية بن فوغلر تشير إلى أن الهوس بأجهزة المطبخ ليس ظاهرة جديدة. ففي العصر الفيكتوري، ظهرت أجهزة مبتكرة مشابهة، مثل “معبد الطهي” متعدد الوظائف الذي وصفه ديكنز في روايته “محل الفضول العتيق”. آنذاك، كما الآن، دفعت المساحات المحدودة الناس إلى تبني حلول تكنولوجية للطهي.تقول فوغلر إن هذه الابتكارات تعكس أيضًا قلق الناس من الأطعمة الصناعية المفرطة المعالجة، وهو ما يدفعهم لمحاولة استعادة السيطرة على وجباتهم عبر أجهزة تمنحهم شعورًا بالتحكم، حتى لو كان وهميًا.

 

نهاية مفتوحة: هل تغيرنا “نينجا” أكثر مما نُغير طعامنا؟

ما بدأ كحل عملي لمشكلة في المساحة أو الوقت، تحول لدى كثيرين إلى حالة استهلاكية كاملة. أجهزة نينجا قد تكون مفيدة وسريعة، لكنها تطرح تساؤلات جوهرية: هل أصبحنا نعتمد على التكنولوجيا لدرجة أننا فقدنا الاتصال بمهارات الطهي الأساسية؟ وهل نطبخ لنأكل، أم لننشر صورة جذابة على “تيك توك”؟ربما تكون نينجا قد فهمت العالم الحديث جيدًا، لكن يبقى علينا أن نسأل أنفسنا: هل نحن من يستخدم هذه الأجهزة؟ أم أننا أصبحنا مستخدَمين من قِبلها؟

 

إقرأ أيضا:

“قلبي اللي خسرته”.. أحدث أعمال مصطفى قمر بالتعاون مع الشاعر محمد الجمل

إسراء ابوالعنين

إسراء أبو العنين صحفية مصرية «تحت التمرين»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى