اللغة تحت الضغط: حين يصبح كل شيء “ضخمًا” و”فريدًا” و”فايبيًا”
حين يصبح كل شيء "ضخمًا" و"فريدًا" و"فايبيًا"

تب الصحفي الأميركي الساخر فنلي بيتردن ذات مرة أن اللغة الإنجليزية، بعد أن ينتهي الأميركيون من استخدامها، ستبدو وكأنها صُدمت بمسرحية موسيقية. ولعلنا نعيش الآن في هذا المشهد الموسيقي الفوضوي.
لنلقِ نظرة على بعض المفردات التي تعرّضت مؤخرًا للدهس.
❶ “ضخم” (Massive): الكلمة التي فقدت وزنها
كلمة massive، التي يُفترض أن تشير إلى الحجم أو الكتلة الفعلية، أصبحت تُستخدم لكل شيء: من “زيادة ضخمة في ثقة المستهلك” إلى “أمية ضخمة”. حتى المفاهيم التي لا تُقاس بالكتلة باتت “ضخمة” لغويًا، ما يجعلها بلا معنى فعليًا.
❷ “فريد” (Unique): لم يعد كذلك
“Unique” تعني شيئًا لا مثيل له. ولكن الآن تُستخدم لتوصيف أي ظاهرة لم يسبق لمُتحدثها أن سمع بها من قبل. بل وتُضاف إليها “very” لتصبح “فريدة جدًا”، وكأن التفرد بات درجات.
❸ “واحد من القلائل الوحيدين” (One of the only): هل من داعٍ لهذا الحشو؟
العبارة الشائعة “one of the only” لا تعني سوى “واحد من القلة”، لكنها تأتي محمّلة بالزيف اللغوي لتبدو أكثر أهمية مما هي عليه. نوع من البلاغة الكسولة.
❹ “أيقوني” (Iconic): حين يصبح كل شيء أيقونة
هل كل شيء “أيقوني” الآن؟ الشواطئ، المغنين، الماركات، وحتى المصارعين مثل هولك هوجان. إن الكلمة التي كانت تُستخدم للإشارة إلى رموز ثقافية حقيقية، أصبحت مجرد وسيلة لتلميع أي شيء مألوف بدرجة كافية ليُتعرّف عليه.
❺ “الفايب” (Vibe): كلمة بلا معنى… ولذلك تصلح لكل شيء
أهلاً بك في عصر “الفايب”. الكلمة الغامضة التي يمكن أن تعني أي شيء وكل شيء — أو لا شيء. تُستخدم لوصف مزاج، طاقة، انطباع، إحساس عام… وحتى حملات سياسية.
الصحف تتحدث عن:
“انتصار الفايب” في حملة انتخابية.
“تحوّل فايبي” في سلوك المستهلكين.
“برمجة الفايب”حين يصبح كل شيء “ضخمًا”
و”فريدًا” و”فايبيًا” باستخدام الذكاء الاصطناعي.
وحتى سؤال وجودي في نيويورك تايمز: “هل يمكن للمرء أن يملك حقوق نشر لفايبه؟”
الكلمة تحولت إلى عدسة يمر من خلالها كل شيء: السياسة، التسويق، الفن، وحتى الأخبار الاقتصادية.
شكسبير دون “فايب”؟ تخيّل!
الكاتب لا يقاوم المقارنة الساخرة: شكسبير استخدم أكثر من 28 ألف كلمة دون أن يحتاج لكلمة “vibe”. ومع ذلك، تخيل لو كتب أن الملك لير كانت فايباته” سيئة” على الهضبة، أو أن فالستاف كان “فايبه خفيف دم”.
في الختام: نحن “نصدر فايبات” دون أن نعرف
مثل شخصية “جوردان” في مسرحية موليير التي اكتشفت فجأة أنها تتحدث نثرًا طوال حياتها دون علم، نحن أيضًا — خصوصًا كبار السن — كنا نعيش وسط فايبات ونتبادلها دون أن ندرك ذلك.
لقد أصبحنا نُقيّم السياسة، الصحافة، الشخصيات العامة وحتى أنفسنا عبر الفايب، لا المعنى، ولا الأفكار، ولا المنطق.
في زمن بات فيه كل شيء يُقاس بالفايب، يبدو أننا فقدنا البوصلة… وفقدنا اللغة نفسها.