عربي وعالمي

عودة بلا نصر: إسرائيل تستأنف حربها في غزة دون مكاسب واضحة

في مارس الماضي، قررت إسرائيل إنهاء الهدنة المؤقتة التي كانت سارية منذ مطلع العام مع حركة “حماس”، مستأنفة حربها الشاملة على قطاع غزة، تحت ذريعة كسر شوكة الحركة وإجبارها على إطلاق سراح مزيد من الرهائن الإسرائيليين بشروط أقل. غير أن ما حدث منذ ذلك الحين كان أقرب إلى الكارثة الاستراتيجية، حيث لم تحقق إسرائيل أهدافها المعلنة، بينما ازدادت معاناة المدنيين الفلسطينيين، وتدهورت صورة إسرائيل على الساحة الدولية إلى مستويات غير مسبوقة.

فخلال أربعة أشهر من التصعيد العسكري، لم تتمكن إسرائيل من كسر إرادة “حماس”، ولا من تحقيق اختراق على صعيد التفاوض. بل على العكس، حافظت الحركة على سيطرتها في المناطق الحضرية الكبرى، واستمرت في تنفيذ هجمات قاتلة ضد القوات الإسرائيلية، رغم الخسائر التي تكبدتها، وعلى رأسها مقتل محمد السنوار، قائد جناحها العسكري، والذي خلفه قائد أكثر تشددًا. في المقابل، لم تستعد إسرائيل سوى جثة رهينة واحدة، وتم إطلاق سراح رهينة أميركي-إسرائيلي عبر وساطة جانبية من واشنطن، دون أي تنازل مباشر من “حماس”.

الأخطر من ذلك، أن الحرب أدّت إلى تصعيد غير مسبوق في مستويات الجوع والدمار داخل القطاع، في ظل الحصار الذي فرضته إسرائيل على الغذاء، وأدى إلى مقتل مئات الفلسطينيين خلال محاولتهم الوصول إلى نقاط توزيع الغذاء الجديدة.

كل هذه التطورات دفعت محللين إسرائيليين، ودبلوماسيين غربيين، إلى وصف العملية بأنها “فشل تام”، ليس فقط على الصعيد الإنساني، بل أيضًا على المستويين العسكري والسياسي.

أهداف عسكرية محدودة وتكاليف إنسانية فادحة

رغم تمكن الجيش الإسرائيلي من التوغل مجددًا في مناطق سبق أن انسحب منها، وتصفية عدد من قادة “حماس”، فإن الإنجازات العسكرية الملموسة بقيت ضئيلة. الحركة لم تنهَر، وبنيتها القيادية استوعبت الضربات وأعادت ترتيب صفوفها، فيما لا يزال أكثر من 100 رهينة محتجزين في ظروف مجهولة.

من جهة أخرى، دفع المدنيون الفلسطينيون الثمن الأكبر، حيث قُتل الآلاف، وارتفعت معدلات الجوع إلى مستويات حرجة، بينما لم تُسجَّل أي انفراجة في مسار التفاوض أو المساعي الدبلوماسية.

انهيار صورة إسرائيل عالميًا واحتجاجات الحلفاء

التغطية الإعلامية الدولية وصور الأطفال الجوعى والمشردين خلقت “تسونامي دبلوماسيًا” ضد إسرائيل، بحسب توصيف محللة إسرائيلية في تل أبيب. حتى شركاء تقليديون مثل ألمانيا وبريطانيا دعوا إلى وقف الحرب، بينما أعلنت فرنسا نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية. أما الأمم المتحدة فوصفت الوضع بأنه “أزمة أخلاقية تهز ضمير العالم”.

مكاسب سياسية ضيقة لنتنياهو مقابل تصدّع داخلي متزايد

أتاح استمرار الحرب لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الحفاظ على تماسك ائتلافه الحاكم، وتجنب انهياره تحت تهديدات حلفائه من اليمين المتطرف. غير أن هذا التمديد جاء على حساب الجنود والرهائن والمجتمع الإسرائيلي، حيث تتزايد الاحتجاجات الداخلية على جدوى الحرب، وتتصاعد أصوات تسأل: ماذا تحقق؟ ولأجل من تستمر هذه الحرب؟

خلاف داخل إسرائيل حول طبيعة “الردع” المفقود

حتى بين مؤيدي الحرب، هناك انقسام حاد. البعض يرى أن إسرائيل لم تكن قاسية بما فيه الكفاية، ويطالب باجتياح شامل لغزة، دون اعتبار لمصير الرهائن. آخرون ينتقدون غياب رؤية سياسية لما بعد الحرب، محذرين من تكرار أخطاء الماضي بترك فراغ إداري في غزة يمكن أن يعيد إنتاج نفس الأزمة بعد سنوات.

استراتيجية بلا أفق سياسي واضح

يصف محللون إسرائيليون بارزون استراتيجية الحكومة الحالية بأنها “مرتبكة وغير متماسكة”. فبينما يتم الحديث عن هزيمة “حماس”، لا توجد خطة لإدارة ما بعد الحرب. ويرى البعض أن على إسرائيل أن تعيد ترتيب أوراقها، وتقدم مقترحًا واقعيًا مقبولًا دوليًا حول مستقبل غزة، يجمع بين الحل العسكري والحل السياسي، بدلًا من الاعتماد على الخيار العسكري وحده.

رهائن في مهب الريح: ثمن الحرب يُدفع من الأسرى

أحد أكثر الجوانب إثارة للجدل هو مصير الرهائن المحتجزين. فقد أشارت تقارير إلى أن استمرار الحرب يُعقّد فرص إطلاق سراحهم، ويعرض حياتهم للخطر. في المقابل، فإن صقور الحكومة لا يبدون استعدادًا لتقديم أي تنازل من أجلهم، ويفضلون التصعيد حتى لو كان ذلك يعني تعريض الرهائن للموت.

غزة بين الجوع والمجهول: كابوس لا نهاية له

بالنسبة للفلسطينيين، لم تكن نهاية الهدنة مجرد استئناف لحرب قديمة، بل بداية مرحلة أسوأ. فمع تصاعد الجوع وغياب الأمل، أصبح المدنيون يقاتلون يوميًا من أجل الخبز، وسط دمار لا يرحم، في وقت يُقابَل فيه صمودهم بالتجاهل العالمي أو التنديد الذي لا يتبعه فعل.

اقرأ أيضاً:

78 ساعة على تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ 2025

يارا حمادة

يارا حمادة صحفية مصرية تحت التدريب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى