روسيا وأزمة المناخ: بين الإنكار والمصالح الجيوسياسية
روسيا تتجاهل التغير المناخي رغم الكوارث البيئية المتسارعة

رغم تصاعد تأثيرات التغير المناخي في روسيا بوتيرة غير مسبوقة، لا تزال القيادة الروسية تتعامل مع الأزمة ببرود سياسي وإنكار عملي، متمسكة بنموذج اقتصادي يعتمد على الوقود الأحفوري، بينما ينهار الجليد وتشتعل الغابات.
صوت من القطب الشمالي: “نحن الكناري في المنجم”
في المناطق القطبية الروسية، حيث الحرارة ترتفع بمعدل 2.5 مرة أسرع من المتوسط العالمي، يشهد السكان المحليون تغيرات درامية. يقول غينادي شوكين، راعي الرنة البالغ من العمر 63 عامًا:
“نحن أول من يرى آثار التغير المناخي بشكل مباشر. لم يعد خطرًا بعيدًا، بل أصبح واقعًا يوميًا.”
الأنهار التي كانت تتجمد حتى الربيع أصبحت هشة، والتربة الصقيعية (permafrost) تذوب، مسببة شقوقًا تبتلع المنازل والطرق، فيما تغرق صغار الرنة في برك المياه بدلًا من أن تولد فوق الجليد. ومع ذلك، تبدو استجابة الدولة غائبة.
مفارقة الانبعاثات: رقم عالمي رغم وعود واهية
تحتل روسيا المرتبة الرابعة عالميًا في إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (1.8 مليار طن سنويًا – 4.8% من الإجمالي العالمي).
يُقدّر معدل الانبعاثات للفرد بـ12.5 طن سنويًا، أكثر من ضعف المتوسط العالمي.
ورغم ذلك، لا تتماشى تعهداتها المناخية مع الواقع، إذ صنفت خططها ضمن خانة “غير كافية إطلاقًا” حسب Climate Action Tracker، الذي أكد أن اتباع كل الدول نفس نهج روسيا سيقود إلى أكثر من 4 درجات مئوية من الاحترار العالمي.
الاقتصاد تحت رحمة النفط والغاز
يرتبط استقرار النظام الروسي بشكل وثيق بعائدات الطاقة، وهي من الأسباب الجذرية لأزمة المناخ. منذ وصول فلاديمير بوتين إلى الحكم عام 2000، تضاعفت أهمية صادرات النفط والغاز، ليس فقط اقتصاديًا، بل كأداة سياسية لبسط النفوذ داخليًا وخارجيًا.

تمكنت الحكومة من تسديد ديونها، وزادت الأجور، وبنت سردية “القوة القومية”، مستندة إلى الثروة الطاقية. ولهذا السبب، يرفض النظام الاعتراف بأن الوقود الأحفوري هو سبب مباشر للتغير المناخي.
استراتيجية إنكار المناخ: عقيدة بدون محتوى
في عام 2023، أعلنت روسيا “عقيدة مناخية جديدة”، لكنها خلت من أي إشارة إلى الوقود الأحفوري. حُذفت بهدوء كل العبارات التي تربط بين حرق النفط والغاز والاحتباس الحراري، في استعراض واضح لإنكار الأسباب الفعلية للأزمة.
في نفس العام، وفي مؤتمر COP28 في دبي، عارضت روسيا إدراج مصطلحات تطالب بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، وسعت بدلًا من ذلك إلى تعزيز مفهوم “الوقود الانتقالي”، لضمان استمرار صادرات الغاز والنفط.
الحرب في أوكرانيا: ضربة قاتلة للمناخ
أدت الحرب الروسية في أوكرانيا إلى تصعيد غير مسبوق في الانبعاثات، مع تدمير ممنهج للبنية التحتية للطاقة وتسرّب غازات دفيئة شديدة الخطورة.
دراسة حديثة كشفت أن الانبعاثات الناتجة عن أول عامين من الحرب تفوق مجمل انبعاثات 175 دولة مجتمعة في عام كامل.
علاوة على ذلك، قضت الحرب على أي أمل في التعاون الدولي بشأن التكنولوجيا النظيفة، بينما أصبح النفط والغاز أكثر مركزية في الاقتصاد الروسي.
فرص وهمية: القطب الشمالي بوابة لأرباح جديدة؟
يرى بعض المسؤولين الروس في ذوبان الجليد “فرصة اقتصادية”. في مؤتمر للتنمية القطبية، وصف كيريل دميتريف (مقرّب من بوتين) الممر البحري الشمالي بأنه يحمل “آفاقًا مثيرة”، نظرًا لإمكانية الوصول إلى احتياطات غير مستغلة من النفط والمعادن.

كما تجري روسيا محادثات مع إدارة ترامب في الولايات المتحدة للتعاون في مشاريع طاقة بالقطب الشمالي، ما يثير قلق نشطاء البيئة.
الصوت البيئي المخنوق: من السجون إلى المنفى
مع تضييق الخناق على المعارضة السياسية، امتد القمع إلى الأصوات البيئية. فُرض حظر على منظمات مثل WWF وGreenpeace، وسُجن العشرات من النشطاء.
يقول أرشاك ماكيشيان، الناشط الروسي المنفي في برلين والذي يُعرف بـ”غريتا تونبرغ الروسية”:
“النظام الروسي لا يقدم بديلاً لمواطنيه سوى تدمير الطبيعة من أجل الربح والحرب.”
ويُضيف: “النظام سيسقط يومًا، لكن أزمة المناخ لن تختفي.”
اقرأ أيضاً ريتشيل ريفز تراهن على فك القيود لإنقاذ الاقتصاد.. لكن التاريخ لا ينسى
رأي الشارع: القلق البيئي يتراجع
وفق استطلاع للرأي في عام 2024، حلت القضايا البيئية في المرتبة 12 ضمن اهتمامات الروس، بعد التضخم والبطالة، مقارنةً بعام 2020، حيث صرح 48% أن التدهور البيئي هو أكبر تهديد عالمي.
السبب؟ الحرب، الدعاية الحكومية، والخوف من التعبير عن الرأي.
الخلاصة: روسيا رهينة الوقود الأحفوري
رغم تضررها الشديد من التغير المناخي، لا تزال روسيا ترفض تبني سياسات مناخية جادة. التغيرات المناخية تشق التربة، وتحرق الغابات، وتذيب الجليد، فيما تواصل النخب السياسية الدفاع عن النفط والغاز كعصب للنظام.
ومع كل تأخير في العمل المناخي، يزداد الثمن الذي ستدفعه روسيا – والعالم بأسره.
إقرأ ايضَا:
العناية بالبشرة في فصل الصيف.. 7 نصائح تساعد في حماية بشرتك