كيف ستستفيد الدولة المصرية من مبادرة “السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية” ؟ خاص

تعد إطلاق مبادرة السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية خطوة استراتيجية تهدف إلى دعم استقرار الاقتصاد الكلي وتعزيز إمكانياته على المدى الطويل، هذه المبادرة تحمل أهمية كبيرة، حيث تسهم في ترسيخ رؤية شاملة وواضحة للتنمية، تجمع بين مختلف الجهود والسياسات لتحقيق نمو اقتصادي مستدام وشامل.
و أكد الدكتور علي عبدالحكيم الطحاوي، المتخصص في العلاقات الدولية والخبير في الشؤون السياسية والاقتصادية، في تصريحات خاصة لـ ” العالم في دقائق” أن العالم يشهد حالياً تحولات اقتصادية عميقة وتحديات غير مسبوقة، ناجمة عن الاضطرابات الجيوسياسية، تقلبات الأسواق العالمية، والتغيرات المناخية التي تؤثر على سلاسل الإمداد والتجارة الدولية، في هذا السياق، تدرك مصر وقيادتها أن المرحلة الحالية تتطلب خطاباً اقتصادياً أكثر وضوحاً وشفافية، إلى جانب وضع خطة شاملة متكاملة.
مبادرة “السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية”
وأوضح الطحاوي أن مبادرة “السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية” جاءت استجابة لهذه الحاجة، حيث تقدم إطاراً جامعاً يعكس رؤية مصر الوطنية ويهدف إلى توضيح السياسات الاقتصادية والإصلاحية بشكل مترابط يسهّل فهمها داخلياً وخارجياً، هذا النموذج لا يكتفي بعرض أرقام مجردة حول الناتج المحلي أو التضخم أو الدين العام، لكنه يسعى إلى بناء سردية متكاملة تعرض قصة الاقتصاد المصري من التحديات والإنجازات إلى الخطط المستقبلية في سياق واضح، مؤكدا أن هذه السردية لا تستهدف فقط المستثمرين والمؤسسات الدولية، وإنما تُعنى بالمواطن المصري الذي يعد المستفيد الأول والأخير من التنمية الاقتصادية.
وأشار إلى أن أهمية المبادرة تكمن في توفيرها مظلة استراتيجية تعبر من خلالها الدولة عن رؤيتها التنموية بشكل متوازن بين طموحات النمو ومتطلبات الإصلاحات المالية والنقدية، مضيفا أنها تحدد أولويات واضحة، مثل خفض التضخم، استقرار سعر الصرف، وتقليص الدين العام والعجز، وتتيح في الوقت ذاته مساحة للاستثمار في القطاعات الإنتاجية وزيادة الصادرات والصناعات التحويلية وتعزيز البنية التحتية والتحول نحو الاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة، بهذه الطريقة تربط المبادرة بين التحديات العالمية وموقع مصر فيها، مع عرض استراتيجيتها لمواجهة تلك التحديات بأساليب عملية.
وأشار الطحاوي إلى الفوائد العديدة التي قد تحققها الحكومة من هذه المبادرة على الصعيد الداخلي. إذ تعزز السردية الوطنية قدرة الدولة على التنسيق بين مختلف الوزارات والهيئات الاقتصادية لضمان تكامل السياسات والتحوّل من العمل في جزر منعزلة إلى تطبيق رؤية موحدة، مما يرفع كفاءة الإدارة الاقتصادية ويقلل من تضارب القرارات، كما أنها توفر أداة تقييم دورية للسياسات الحكومية ومتابعة النتائج مقارنة بالأهداف، مما يسهل عملية المراجعة والتطوير.
أما على الصعيد الخارجي، فالسردية الوطنية تمثل خطاباً اقتصادياً رسمياً لمصر أمام مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فضلاً عن الشركاء الاستراتيجيين كالاتحاد الأوروبي والدول العربية والأفريقية وصناديق الاستثمار العالمية، وجود سردية واضحة وشفافة يعزز ثقة هذه الأطراف ويزيد من جاذبية مصر للاستثمارات الأجنبية المباشرة، كما يساهم في تحسين التصنيف الائتماني للدولة ويوفر فرصة للحصول على التمويلات بشروط أفضل، إلى جانب ذلك، تساعد السردية الوطنية الحكومة على التواصل بشكل مباشر مع المواطن المصري، مما يجعل المجتمع يشعر بالوضوح والجدية تجاه السياسات الاقتصادية مما يعزز ثقته فيها ويدعم روح الشراكة بين الدولة والمواطنين.
أهمية المبادرة على مستوى الاستراتيجي
وعلى المستوى الاستراتيجي، أوضح الطحاوي أن السردية الوطنية تقدم مصر كدولة تمتلك رؤية واضحة وخططاً متكاملة لمستقبلها الاقتصادي، مما يجعلها وثيقة هوية اقتصادية توضح ما وصلت إليه البلاد حالياً وما تطمح له مستقبلاً وكيفية تحقيق تلك الأهداف باستخدام موارد محددة وأدوات فعالة.
وشدد أيضاً على أن هذه المبادرة تتماشى مع تطورات الاقتصاد العالمي الذي بات يهتم بالسرديات الاقتصادية كعنصر أساسي لبناء الثقة والتنافسية، الدول اليوم لا تكتفي بمؤشراتها الاقتصادية وإنما تسعى لتقديم قصة اقتصادية مقنعة تجذب رؤوس الأموال والاستثمارات الكبرى، في هذا الإطار، تبرز مصر من خلال هذه المبادرة عبر سرد نجاحاتها في مشروعات البنية التحتية الضخمة والطاقة المتجددة وتنمية محور قناة السويس والمناطق الاقتصادية الخاصة، بالإضافة إلى الإصلاحات التشريعية التي سهّلت ممارسة الأعمال واستقطبت استثمارات جديدة.
وخلص الطحاوي إلى أن “السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية” ليست مجرد مبادرة وقتية بل مشروع دولة يُمثل نقلة نوعية في التخطيط الاستراتيجي، فهي أداة تواصل فعالة داخل الدولة وخارجها، وإطار شامل لربط الجهود الإصلاحية والتنموية في صورة متكاملة.