الطفرة العالمية في تجارة المخدرات تهدد المجتمعات والدول

تشهد تجارة المخدرات غير المشروعة ازدهارًا غير مسبوق، جعلها أكثر تنظيمًا وربحية من أي وقت مضى. فمع تضاعف عائدات تجارة الكوكايين، توسعت أنشطة العصابات الإجرامية العابرة للحدود لتشمل مجالات أخرى مثل التعدين غير القانوني للذهب، وتهريب المهاجرين، والاتجار بالحياة البرية المهددة بالانقراض.
تقنيات حديثة بيد العصابات
يعتمد المهربون على التقنيات الحديثة في توسيع نفوذهم؛ حيث توفر تطبيقات المراسلة المشفرة والعمليات المالية عبر العملات الرقمية وسيلة لإخفاء تدفقات الأموال. أما المخدرات الاصطناعية مثل الفنتانيل، فتعتبر “حلمًا للمهربين”، إذ يمكن تصنيعها في مختبرات صغيرة وتتميز بقدرتها الفائقة، إذ تفوق قوة الهيروين بخمسين مرة.
تحدٍ مباشر لسلطة الدولة
تزايدت قوة هذه الشبكات لدرجة أنها باتت تتحدى سلطة الدول. في المكسيك مثلًا، تسيطر العصابات على نحو ثلث أراضي البلاد، مستخدمة مركبات مدرعة بدائية وطائرات مسيرة مفخخة وأسلحة عسكرية. أما في سوريا، فقد تحول النظام نفسه إلى لاعب رئيسي في تجارة المخدرات، مع اعتماد بشار الأسد على تجارة الكبتاغون كمصدر أساسي للإيرادات. وفي فنزويلا، وصفت الإدارة الأمريكية الرئيس نيكولاس مادورو بأنه “أحد أكبر تجار المخدرات في العالم”.
آثار اجتماعية وبيئية مدمرة
الطفرة في تجارة المخدرات لم تقتصر على الاقتصاد والسياسة، بل خلفت موجات من العنف والدمار البيئي. ارتفعت معدلات الجريمة والقتل في دول كانت آمنة مثل الإكوادور والأوروغواي. كما استثمرت العصابات أرباحها في التعدين العشوائي بالأمازون، ما أدى إلى تدمير الغابات المطيرة وتلويث الأنهار بالزئبق.
فشل “الحرب على المخدرات” وتفاقم الطلب
منذ إعلان الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون “الحرب على المخدرات” عام 1971، ثبت فشل السياسات التقليدية في القضاء على هذه التجارة. فقد ساهمت الأزمات الاقتصادية والصراعات والفساد وضعف إنفاذ القانون في توفير بيئة خصبة لازدهار العصابات. لكن العامل الأقل تقديرًا هو تصاعد الطلب العالمي، خصوصًا في أوروبا، التي أصبحت أكبر سوق للكوكايين في العالم، فيما بدأت آسيا وأفريقيا بالانخراط في دوامة الإدمان أيضًا.
بين التشريع والتجريم
بينما يدعو بعض القادة، مثل الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، إلى تشريع تجارة الكوكايين بحجة أنه “ليس أسوأ من الويسكي”، يرى خبراء أن هذا الطرح خطير، خاصة وأن الكوكايين يسبب الإدمان وقد أدى إلى وفاة أكثر من 29 ألف شخص في الولايات المتحدة عام 2023. بالفعل، تراجعت مناطق مثل كولومبيا البريطانية وأوريغون عن سياسات تقنين المخدرات بعد أن تسببت بزيادة الوفيات.
الحلول الممكنة
يرجح الخبراء أن الطريق الأكثر فاعلية يتمثل في حملات توعية عامة مدعومة جيدًا وتمويلًا مناسبًا، مقرونة بتشديد الرقابة الأمنية. فالمخدرات لا تفتك فقط بالمستهلكين وأسرهم، بل تمول الجريمة المنظمة، الفساد، وتدمير البيئة.
التجربة العالمية في مكافحة التدخين تقدم نموذجًا ناجحًا: خلال جيلين فقط، تراجعت معدلات التدخين بشكل كبير في الدول المتقدمة وأصبح فعلًا مرفوضًا اجتماعيًا. وإذا كان بالإمكان تحقيق ذلك مع التبغ، يمكن تكراره مع المخدرات.