عربي وعالمي

فرنسا على أعتاب أزمة سياسية جديدة مع تعيين رئيس وزراء جديد

تعيش فرنسا لحظة سياسية دقيقة بعد أن قررت الجمعية الوطنية حجب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء فرانسوا بايرو، في خطوة أربكت المشهد السياسي وأجبرت الرئيس إيمانويل ماكرون على الإسراع في البحث عن بديل. التصويت الذي أزاح الحكومة لم يكن مجرد انتكاسة شخصية لبايرو، بل يمثل ثاني هزيمة يتعرض لها رئيس وزراء يعيّنه ماكرون منذ حل البرلمان في عام 2024. هذه التطورات تأتي في ظل تحديات اقتصادية خانقة أبرزها الدين العام المتضخم، إضافة إلى مناخ اجتماعي متوتر مع اقتراب موعد إضراب عام دعت إليه النقابات العمالية. أمام هذه الضغوط، يسعى ماكرون لاتخاذ قرار سريع بشأن خليفة بايرو، وسط سباق سياسي محتدم بين شخصيات بارزة من مختلف التيارات، في وقت تستعد فيه فرنسا أيضًا لمشاركات دولية مهمة مثل قمة الأمم المتحدة.

سقوط حكومة بايرو

حجب البرلمان الفرنسي الثقة عن حكومة فرانسوا بايرو بعدما صوّت 364 نائبًا ضدها مقابل 194 مؤيدًا فقط. هذه الهزيمة جاءت بسبب خطط التقشف التي أعلنتها الحكومة لميزانية 2026، والتي أثارت جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والاجتماعية. بايرو كان قد طلب من البرلمان تجديد الثقة، إلا أن المعارضة من مختلف الاتجاهات توحدت ضده، ما جعل موقعه غير قابل للاستمرار. وبحسب تصريحات نقلتها وكالات الأنباء، فإن بايرو يستعد لتقديم استقالته للرئيس ماكرون، الذي سيجد نفسه أمام تحدي اختيار شخصية قادرة على استعادة التوازن السياسي وكسب دعم البرلمان لتجنب أزمة جديدة تهدد استقرار البلاد.

سباق المرشحين على رئاسة الحكومة

يتصدر وزير الدفاع سيباستيان لوكورنو قائمة المرشحين المحتملين، وهو أحد المقربين شخصيًا من ماكرون، حيث يتمتع بعلاقة وثيقة معه قد تعزز فرصه في تولي المنصب. إلى جانبه، تبرز كاثرين فوترين، وزيرة العمل السابقة، التي كادت أن تحصل على رئاسة الوزراء عام 2022، ويُقال إن ماكرون ما زال نادمًا على عدم تعيينها في ذلك الوقت. في المقابل، تطرح أسماء من خارج الحكومة مثل فرانسوا بارواه وكريستين لاجارد وتيري بريتون، إضافة إلى كزافيي بيرتران، الذي يُنظر إليه كخيار قادر على كسب دعم طيف واسع من القوى السياسية المعارضة.

إيمانويل ماكرون ووزير الدفاع سيباستيان لوكورنو
كاثرين فوترين وإيمانويل ماكرون
وزير الاقتصاد إيريك لومبار وإيمانويل ماكرون

موقف اليسار وإمكانية التوافق

على الرغم من أن بعض الأصوات في القصر الرئاسي طرحت فكرة إشراك شخصية يسارية في التشكيلة الجديدة، فإن الحزب الاشتراكي بدا مترددًا في القبول بالمغامرة. اسم برنار كازنوف، رئيس الوزراء الأسبق في عهد هولاند، طُرح كخيار محتمل، إلا أن قيادات يسارية اعتبرت أن المشاركة في الحكومة الجديدة “فخ سياسي” بسبب غياب الأغلبية البرلمانية. هذا الموقف يجعل من الصعب على ماكرون تحقيق إجماع وطني واسع، لكنه يترك الباب مفتوحًا أمام التفاهمات الجزئية مع المعارضة، خاصة حول الملفات الاجتماعية والاقتصادية التي تشكل جوهر الخلافات الحالية.

اقرا ايضا

بضغط من كاتس.. إسرائيل توسّع استهداف الأبراج في غزة

التحديات أمام الرئيس والحكومة المقبلة

أي رئيس وزراء جديد سيواجه مهمة شاقة تتمثل في ضمان دعم 289 نائبًا لتجنب مصير بايرو. هذا الشرط سيجبر المعسكر الماكروني على تقديم تنازلات، ربما في ملف إصلاح المعاشات أو ضريبة الثروات الكبيرة. نواب من الأغلبية أشاروا إلى ضرورة التوصل إلى صيغة توافقية مع الحزب الاشتراكي لتفادي انهيار جديد. لكن المشهد لا يخلو من المخاطر، إذ يمكن للمعارضة أن تستغل الضعف الحكومي لتحقيق مكاسب سياسية أكبر. في ظل هذا الوضع، تبدو فرنسا أمام مرحلة مفصلية تتطلب قيادة قوية قادرة على الموازنة بين الاستقرار الداخلي والالتزامات الدولية التي تنتظر ماكرون.

رحمة حسين

رحمة حسين صحفية ومترجمة لغة فرنسية، تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وآدابها بجامعة عين شمس. تعمل في مجال الصحافة الثقافية والاجتماعية، إلى جانب عملها في الترجمة من الفرنسية إلى العربية. تهتم بقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة، ولها كتابات مؤثرة في هذا المجال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى