الدنمارك تسابق الزمن لبناء قوة صاروخية تردع التهديدات الروسية

افتتح النقاش في الدنمارك حول تعزيز قدراتها الدفاعية بخطوة نوعية جديدة، إذ أعلنت الحكومة عن خطط لامتلاك أسلحة بعيدة المدى عالية الدقة. القرار يستند إلى توصية رئيس الأركان الجنرال مايكل هيلدغارد، ويهدف إلى رفع مستوى الردع الوطني والمساهمة في قدرات الردع الجماعي لحلف الناتو. يأتي ذلك عقب استثمار كبير بقيمة 58 مليار كرونة (9.2 مليار دولار) في أنظمة دفاع جوي متوسطة وطويلة المدى، ويعكس إدراكًا متزايدًا بأن الدفاع الأرضي وحده غير كافٍ لمواجهة موجات الصواريخ والطائرات المسيرة. التحرك الجديد يضع نصب أعينه بناء دفاع متعدد الطبقات قادر على الردع والهجوم الاستباقي.
رؤية استراتيجية لتعزيز الردع
أكد وزير الدفاع ترويلس لوند بولسن أن القوات المسلحة ستبدأ دراسة كيفية شراء ودمج الأسلحة الجديدة في تشكيلاتها، بما يحقق التوازن بين القدرات الدفاعية والهجومية. الهدف، بحسب وزير الخارجية لارس لوكه راسموسن، هو الردع ومنع الحاجة إلى الاستخدام الفعلي لهذه المنظومات. كما أوضح أن هذه الخطوة تندرج ضمن طموحات أوروبا لأن تصبح قادرة على حماية نفسها بشكل مستقل بحلول 2030، بما يخفف من الاعتماد على الحماية الأمريكية. الرسالة الأساسية واضحة: زيادة القدرة على توجيه ضربات دقيقة تمنح الدنمارك مرونة أكبر في التعامل مع التهديدات المحتملة.
تكامل مع استثمارات الدفاع الجوي
الخطوة الأخيرة لا تأتي بمعزل عن الاستثمارات الدفاعية السابقة، بل كجزء من رؤية شاملة ترتكز على تكامل القدرات. فقد ضخت الدنمارك بالفعل مليارات في أنظمة دفاع جوي متوسطة وبعيدة المدى، ما يعزز حماية المجال الجوي الوطني. إضافة قدرات هجومية بعيدة المدى تمنح هذه الشبكات الدفاعية قيمة مضاعفة، إذ تتيح استهداف منصات الإطلاق والتهديدات قبل أن تقترب. وبهذا، تجمع الاستراتيجية بين الحماية الداخلية والردع الخارجي، وتؤكد على الحاجة إلى دفاع متعدد الطبقات يدمج الرصد، الاعتراض، والهجوم الاستباقي في منظومة واحدة متكاملة.
دروس أوكرانيا: نحو دفاع متعدد المستويات
أظهرت الحرب الأوكرانية أن الدفاع الجوي الأحادي الطبقة ينهك سريعًا أمام هجمات بالصواريخ والطائرات بدون طيار. لهذا، ترى الدنمارك أن القدرة على تحييد التهديد قبل انطلاقه أمر أساسي. هذا الدرس العملي جعل كوبنهاغن تعيد صياغة عقيدتها الدفاعية، حيث أصبح المزج بين الدفاع والضربات البعيدة المدى عنصرًا محوريًا. فامتلاك وسائل هجومية دقيقة يسمح بردع الخصم عبر تهديد قواعد الإطلاق مباشرة، بدل الاعتماد على الاعتراض داخل الأجواء فقط. هذه التجربة عززت قناعة قادة الناتو بأهمية تطوير دفاعات هجومية مكمّلة للدفاعات التقليدية.
خيارات تسليحية مطروحة
من بين البدائل التي تنظر إليها كوبنهاغن: صواريخ كروز من طراز توماهوك تُحمّل على فرقاطات Iver Huitfeldt، وصواريخ JASSM-ER طويلة المدى لمقاتلات F-35. كما يشمل النقاش خيارات أوروبية مثل مشروع الضربة البعيدة الأوروبي (ELSA) والمبادرة الألمانية-البريطانية لتطوير صواريخ «الضربة الدقيقة في العمق» بمدى يتجاوز 2000 كيلومتر. هذه البدائل تعكس سعي الدنمارك إلى مزيج من المنظومات الأمريكية الجاهزة والحلول الأوروبية طويلة المدى، ما يمنحها قدرة على تحقيق التوازن بين سرعة الاستحواذ والمشاركة في تطوير صناعات دفاعية مشتركة تعزز الاكتفاء الذاتي الأوروبي.
تعاون أوروبي يغيّر موازين الردع
التوجه الجديد ينسجم مع موجة أوروبية متزايدة لتطوير قدرات هجومية دفاعية تعزز استقلالية القرار العسكري. التعاون بين فرنسا، ألمانيا، إيطاليا وبولندا، إلى جانب المشاريع الثنائية مثل الشراكة الألمانية-البريطانية، يعكس إدراكًا بأن المستقبل يتطلب قدرات أوروبية خالصة. بالنسبة للدنمارك، فإن الدخول في هذه الشبكات يمنحها خيارات متنوعة بين شراء حلول جاهزة والمشاركة في تطوير أنظمة استراتيجية. هذه الرؤية تجعل كوبنهاغن لاعبًا أكثر فاعلية في أمن القارة، وتساهم في صياغة ميزان ردع أكثر مرونة وشمولًا ضمن إطار الناتو.