رئيس “بيبسيكو” تحت ضغط متزايد مع تحركات “إليوت” للمطالبة بتغييرات جذرية

يواجه الرئيس التنفيذي لشركة بيبسيكو (PepsiCo)، الإسباني رامون لاغوارتا، واحدة من أصعب لحظات مسيرته المهنية منذ توليه المنصب في عام 2018، وذلك بعد أن صعّدت شركة الاستثمار الناشطة “إليوت مانجمنت” (Elliott Management) ضغطها على الشركة للمطالبة بإصلاحات واسعة في الأداء والإدارة، عقب استحواذها على حصة ضخمة تبلغ 4 مليارات دولار في المجموعة الأمريكية العملاقة.
ويستعد لاغوارتا، البالغ من العمر 61 عامًا، لمواجهة المستثمرين هذا الأسبوع أثناء إعلان نتائج الربع الثالث، وهي المرة الأولى التي يظهر فيها منذ إعلان “إليوت” عن استثمارها، في خطوة يترقبها السوق باعتبارها لحظة حاسمة قد تحدد مستقبل الشركة وإدارته شخصيًا.
انتقادات حول تراجع الأداء في أمريكا الشمالية
اتهمت “إليوت” شركة “بيبسيكو” في عرض تقديمي من 75 صفحة بأنها فقدت جزءًا كبيرًا من قيمتها السوقية خلال الأعوام الثلاثة الماضية — أكثر من 40 مليار دولار — نتيجة تباطؤ المبيعات وتقلص هوامش الأرباح في أمريكا الشمالية، بالإضافة إلى محفظة منتجات ضخمة وغير فعالة مقارنة بمنافستها الرئيسية كوكاكولا.
ويشير تقرير “إليوت” إلى أن الشركة تعاني من “ضعف التركيز الاستراتيجي”، معتبرًا أن نظام التعبئة الداخلي في أمريكا الشمالية بات عبئًا هيكليًا مقارنة بنموذج “كوكاكولا”، التي أوكلت عمليات التعبئة لشركات مستقلة وحققت نتائج أفضل.
كما طالبت “إليوت” الشركة ببيع بعض العلامات الغذائية القديمة مثل منتجات “بيرل ميلينغ” و”كابتن كرانش”، وإعادة استثمار العائدات في الوجبات الصحية والعلامات المبتكرة.
لاغوارتا بين الإصلاح والانتقادات
منذ توليه المنصب خلفًا لـ إندرا نويي، حقق لاغوارتا نموًا ملحوظًا في الإيرادات بنحو 40%، وقاد عمليات استحواذ بقيمة 10 مليارات دولار، إضافة إلى بيع علامات غير مربحة مثل “تروبيكانا” و”ناكد جوس”.
إلا أن محللين ومقربين من الشركة يرون أنه أفرط في التركيز على النتائج الفصلية على حساب الرؤية طويلة المدى، وفشل في إقناع المستثمرين بخطته لمواكبة تغيّرات السوق، خصوصًا مع تأثير أدوية خسارة الوزن على أنماط الاستهلاك في قطاع المشروبات والوجبات السريعة.
كما نقلت تقارير عن بعض المديرين التنفيذيين السابقين استياءهم من تدخل زوجته ماريا في الشؤون الداخلية للشركة، بما في ذلك حضور اجتماعات استراتيجية، والمشاركة في مبادرات الطهو التي تروّج لاستخدام منتجات “بيبسيكو” في وصفات منزلية.
وفي مواجهة الضغوط، اتخذ لاغوارتا خطوات إصلاحية منها إغلاق مصنعين للوجبات الخفيفة في الولايات المتحدة لمواءمة الإنتاج مع تراجع الطلب المحلي، إضافة إلى تعزيز الاستثمار في العلامات الأساسية مثل “غيتوريد” و”دوريتوس” و”ووكرز”.
رد الشركة ومحاولات التهدئة
قالت “بيبسيكو” في بيان إنها “تُقدّر التزام رامون لاغوارتا بقيادة الشركة نحو مستقبل أكثر استدامة”، مشيرة إلى “تحسين الأداء الدولي بنسبة 10% سنويًا في المتوسط خلال السنوات الخمس الماضية”.
وأضافت أن “ماريا لاغوارتا تُعد من أبرز الداعمين للمبادرات الثقافية والطهوية لعلامات الشركة”.
في المقابل، أوضحت “إليوت” في رسالتها لمجلس إدارة “بيبسيكو” أنها تحترم الإدارة الحالية لكنها ترى أن الشركة بحاجة إلى رقابة أقوى وإعادة هيكلة في مجلس الإدارة لاستعادة ثقة المستثمرين.
ورغم أن “إليوت” اكتسبت سمعة حادة في معاركها السابقة مع الشركات الكبرى، فإنها في السنوات الأخيرة تبنّت نهجًا أكثر توافقًا كما حدث في تعاونها مع شركة “هونيويل” بعد استثمار بقيمة 5 مليارات دولار.
تراجع في الزخم بعد الطفرة الوبائية
خلال فترة الجائحة، استفادت “بيبسيكو” من ارتفاع استهلاك الوجبات السريعة والمشروبات الغازية، ما رفع قيمتها السوقية إلى أكثر من 260 مليار دولار في 2023، مقتربة من تجاوز “كوكاكولا” لأول مرة في تاريخها.
لكن مع انحسار التضخم وعودة الأسعار إلى مستويات أكثر استقرارًا، تراجع الطلب في أمريكا الشمالية وبدأت المبيعات في الانخفاض، مما أفقد الشركة جزءًا كبيرًا من زخمها.
اليوم، تبلغ القيمة السوقية لـ “بيبسيكو” حوالي 90 مليار دولار أقل من كوكاكولا.
صح
رؤية المستثمرين: تغييرات ضرورية ولكن محسوبة
يرى بعض المستثمرين أن مطالب “إليوت” ليست بعيدة عن خطة الإدارة الحالية، لكنها تحتاج إلى “جرأة أكبر في التنفيذ”.
وقال المستثمر كاي ليمان من صندوق “فولسباخ فون ستورش”:
“نُقدّر اقتراحات إليوت لأنها تتقاطع مع رؤية الإدارة، لكن الشركة تحتاج إلى إحساس عاجل بالتحرك السريع قبل أن تفقد موقعها التنافسي.”
وأضافت الشركة أنها تواصل “حوارًا بنّاءً مع المساهمين” وتُراجع المقترحات بعناية. وأشار أحد المقربين من الإدارة إلى أن خبرة “بيبسيكو” السابقة مع صناديق ناشطة مثل “تريان مانجمنت” قد تجعلها أكثر استعدادًا لمواجهة التحدي الحالي.
“إليوت لم تختر هدفًا سهلاً”، قال المصدر.
خلاصة المشهد
تجد “بيبسيكو” نفسها اليوم في مفترق طرق استراتيجي: إما أن تلتزم بإصلاحات داخلية تدريجية يقودها لاغوارتا، أو تخضع لضغوط المستثمرين لتسريع التغييرات الهيكلية.
وفي كلتا الحالتين، فإن النتيجة المقبلة ستحدد مستقبل أحد أكبر عمالقة الصناعات الغذائية في العالم — ومصير رئيسها التنفيذي الذي بات على المحك بين الإصرار على الاستقرار والاستجابة لثورة المستثمرين.