الوكالات

دليل لمواجهة الرئيس ترامب

في هجماته على مكاتب المحاماة والجامعات ومؤسسات أمريكية أخرى، يعتمد الرئيس دونالد ترامب على وهم: أن هذه المؤسسات عاجزة عن المقاومة، وأنها مجبرة على الاختيار بين التمسك بالمبادئ أو البقاء على قيد الحياة.

لكن الحقيقة أن هذه المؤسسات تملك أدوات الدفاع عن نفسها، والطريق الواقعي لمجابهة محاولات التخويف والضغط السياسي بات واضحًا. بالفعل بدأت بعض المكاتب والجامعات بالتصدي، مرسِّخة بذلك ملامح “دليل” لمقاومة محاولات تقويض الديمقراطية، كحرية التعبير، والعدالة القانونية، والفصل بين السلطات.وفقًا لنيويورك تايمز

ولمن يعتقد أن ترامب لا يُقهر، عليه أن يتذكر أن القضاء سبق أن وجّه له عدة هزائم قانونية: من رفض محاولاته لإلغاء نتائج انتخابات 2020، إلى منعه من إضافة سؤال الجنسية إلى التعداد السكاني، وصولًا إلى وقف سياسة فصل العائلات على الحدود. كما أن حركة جماهيرية نجحت في إنقاذ “أوباماكير”، رغم سيطرة الجمهوريين على الكونغرس حينها.

صحيح أن ترامب صار أكثر تطرفًا في ولايته الثانية، وحقق بعض النجاحات المبكرة، لكنه لا يزال يواجه قيودًا حقيقية. فخطر الاستبداد في أمريكا لا ينبع فقط من رئيس قوي، بل من استسلام المجتمع المدني لوهم قوته.

الرضوخ ليس خيارًا

بعض المؤسسات اختارت الاستسلام، كما فعلت شركات قانونية وجامعة كولومبيا. لكن هذا الرضوخ لم يحصّنها، بل جعلها أكثر ضعفًا. مكاتب محاماة مثل Paul, Weiss قدمت تنازلات، منها تقديم خدمات مجانية بقيمة 40 مليون دولار لقضايا مؤيدة لترامب. ثلاث شركات أخرى – Milbank، وSkadden، وWillkie Farr & Gallagher – سلكت الطريق نفسه.

المقلق أن تلك الاتفاقات لا تتضمن أي ضمانات من البيت الأبيض. يمكن لترامب أن يعاود تهديد تلك الشركات في أي لحظة، ويطالبها بمزيد من التنازلات. كما أن كولومبيا لم تستعد تمويلها الفيدرالي، بل حصلت فقط على فرصة للتفاوض.

هذه الخضوعات تُضعف ثقة العملاء. من سيريد محاميًا قد يتخلى عنه تحت ضغط سياسي؟ كما قال كريستوفر إيسغروبر، رئيس جامعة برينستون: “من يقدم تنازلاً مرة، يصعب عليه التوقف عن ذلك لاحقًا”.

التمسك بالإجراءات القانونية

العنصر الثاني في هذا الدليل هو الإصرار على سيادة القانون. إذا كانت هناك انتهاكات، فلتُعالج عبر القضاء. الاتهامات ضد الجامعات بالتساهل مع معاداة السامية، مثلًا، يجب أن تُدرس في المحاكم وليس عبر قرارات تنفيذية تعسفية تلغي تمويل أبحاث حيوية.

كولومبيا قدمت نموذجًا سلبيًا: تأخرت في حل مشكلاتها، ثم استسلمت دون شروط. على بقية الجامعات أن تحسن أوضاعها، وتستعد لمقاضاة الحكومة عند الحاجة.

ثلاثة مكاتب محاماة – Jenner & Block، وPerkins Coie، وWilmerHale – اختارت المواجهة القضائية، وحققت انتصارات أولية. حتى هيئة تحرير “وول ستريت جورنال” – المعروفة بمواقفها المحافظة – انتقدت حملة ترامب، ووصفتها بأنها انتهاك لمبدأ أساسي في العدالة الأمريكية.

الوقوف معًا

مواجهة ترامب لها ثمن. قد تخسر المؤسسات تمويلاً، أو يتراجع دخل الشركاء، كما حدث مع Paul, Weiss حيث بلغ متوسط دخل الشريك 6.6 مليون دولار في 2023. لكن ثمن الاستسلام أكبر: سمعة مهنية ملوثة، وثقة مفقودة، وحتى عزوف الطلاب عن الانضمام لتلك المؤسسات، كما حدث مع بعض طلاب جامعة جورجتاون.

الدرس الأخير في هذا الدليل هو التضامن. للأسف، كان رد فعل الكثير من الشركات القانونية هو استغلال الوضع لجذب عملاء أو توظيف محامين من الشركات المستهدفة، بدلًا من الوقوف معها.

لكن هناك بوادر مشجعة. بعض الشركات مثل Williams & Connolly وCooley وClement & Murphy تدافع قانونيًا عن المكاتب الثلاثة التي رفعت دعاوى ضد ترامب. شركات القطاع الخاص يمكنها دعم هذه الجهود من خلال التزامها بعدم مقاطعة أي مكتب يتعرض للتهديد.

إذا تراجع حكم القانون في أمريكا، ستتأثر بيئة الأعمال والاستثمار. مناخ الثقة الذي يجذب الاستثمارات إلى البلاد لا يقوم على ولاءات سياسية بل على احترام العقود والقوانين.

ختامًا

مقاومة السلطة المستبدة صعبة، لكنها نبيلة. من يقف في وجه الاستبداد غالبًا ما يُحتفى به لاحقًا، حين تنقشع الأزمة. لكن الانتظار لا يُنهي الأزمات. ما ينهيها هو الشجاعة والفعل.

محمود فرحان

محمود أمين فرحان، صحفي متخصص في الشؤون الدولية، لا سيما الملف الروسي الأوكراني. عمل في مؤسسات إعلامية محلية ودولية، وتولى إدارة محتوى في مواقع إخبارية مثل "أخباري24" والموقع الألماني "News Online"، وغيرهم, حيث قاد فرق التحرير وواكب التغيرات المتسارعة في المشهد الإعلامي العالمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى