الاقتصاد المصري في مايو 2025: إشارات تعافي حقيقية أم انتعاش مؤقت؟
مليارات تتدفق، الفائدة تنخفض، والتضخم يتراجع... مصر تقترب من الانتعاش المنتظر؟

مع بداية النصف الثاني من العام المالي، يلفت الاقتصاد المصري الأنظار بتحسن ملموس في عدد من المؤشرات الحيوية، مدعومًا بإصلاحات اقتصادية متواصلة، وتعاون فعّال مع مؤسسات التمويل الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي. في هذا التقرير، نرصد أهم محاور المشهد الاقتصادي المصري خلال شهر مايو 2025، ونحلل ما إذا كانت هذه المؤشرات مقدمة لتعافٍ مستدام أم مجرد تحسن ظرفي.
صندوق النقد يمنح مصر دفعة جديدة من الثقة
أعلنت بعثة صندوق النقد الدولي أن مصر أحرزت تقدمًا “كبيرًا” في برنامج الإصلاح الاقتصادي، مشيدة بالسياسات المتبعة في إدارة التضخم وتحفيز النمو. هذه الإشادة تُرجمت فعليًا بصرف شريحة تمويلية جديدة بقيمة 1.2 مليار دولار، بالإضافة إلى 1.3 مليار دولار ضمن برنامج مرفق الاستدامة والمرونة. هذه الأموال ساهمت في دعم الاحتياطي النقدي وتعزيز ثقة الأسواق الدولية في الاقتصاد المصري.
من أبرز مؤشرات التحسن في مايو كان الارتفاع القوي في صافي الأصول الأجنبية، حيث قفز إلى 15.08 مليار دولار، مقارنة بـ10.18 مليار دولار في فبراير. هذا الارتفاع يُعد الأكبر منذ فترة طويلة، ويُعزى إلى تدفقات التمويل من المؤسسات الدولية والاستثمارات الخليجية التي أبرمت مؤخرًا صفقات ضخمة مع الحكومة المصرية، خاصة في قطاعي البنية التحتية والطاقة.
تخفيض الفائدة: خطوة محفوفة بالتحديات
، قرر البنك المركزي المصري خفض أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس، وهو أول تخفيض منذ سلسلة الزيادات العنيفة التي هدفت لاحتواء التضخم. جاء هذا القرار في ظل تراجع معدلات التضخم إلى 13.9% في أبريل بعد أن وصلت إلى ذروتها سابقًا. ورغم أن هذا التخفيض يُفترض أن يدعم الاستثمار والطلب المحلي، إلا أنه يثير تساؤلات حول إمكانية الحفاظ على استقرار سعر الصرف في ظل خروج محتمل لرؤوس الأموال قصيرة الأجل.
معدلات النمو تعود إلى مسارها التصاعدي
رفع صندوق النقد توقعاته للنمو في مصر إلى 3.8% للعام المالي الجاري، مقارنة بتوقعات سابقة لم تتجاوز 3.5%. أما البنك المركزي المصري فقد أشار إلى أن الربع الأول من 2025 قد يشهد نموًا يصل إلى 5%. هذه المعدلات تُعد جيدة نسبيًا، لكنها ما زالت دون المستهدف الحكومي البالغ 6% بحلول عام 2026.
عقبة العجز المالي… إصلاحات ضريبية مرتقبة
لا يزال العجز في الموازنة العامة يمثل تحديًا كبيرًا. صندوق النقد أوصى بضرورة توسيع القاعدة الضريبية، وتحسين كفاءة الإنفاق العام. الحكومة من جانبها تدرس تطبيق ضريبة الأرباح الرأسمالية على تعاملات البورصة بشكل أكثر حزمًا، إلى جانب إصلاحات ضريبية تشمل القطاع غير الرسمي، وهي خطوات قد تواجه معارضة شعبية، لكنها ضرورية بحسب ما يؤكده الخبراء.
الاستثمارات الأجنبية… عودة تدريجية بثقة محسوبة
تشير بيانات هيئة الاستثمار إلى أن تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة ارتفعت بنسبة 17% مقارنة بالربع السابق، مدفوعة باتفاقيات مع صناديق سيادية خليجية، ومشروعات صناعية في محور قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة. لكن المستثمرين ما زالوا ينتظرون إصلاحات تشريعية أوسع، خاصة فيما يتعلق بتسهيل الإجراءات وتثبيت السياسات الاقتصادية.
هل يبدأ عصر الانتعاش؟
من الواضح أن مصر دخلت مرحلة جديدة من التعافي الاقتصادي المدروس، بدعم من شركاء دوليين ورغبة سياسية في استعادة الاستقرار. لكن الحفاظ على هذا المسار يتطلب إصلاحات أعمق، وتحقيق توازن بين الاستقرار المالي والنمو الاقتصادي. السؤال الأهم الآن: هل سيكون هذا التحسن مقدمة لنهضة اقتصادية شاملة، أم مجرد فترة هدوء قبل تحديات جديدة؟